وقد أرسل إلي الأستاذ كتابه عند وصوله، وكتب عليه: الشيخ رشيد يجيب هذا الحيوان.
فكتبت إليه، وكان صديقا لي، كتابا لطيفا كان مما قلته فيه على ما أتذكر: إننا لم نر أحدا من المفسرين ولا من أئمة العلماء التزم موافقة ابن عباس في كل ما يروى عنه وإن صح سنده عنده، فكيف إذا لم يصح؟ وقد قال الشيخ محمد عبده إنه يجل ابن عباس عن هذه الرواية ولا يصدقها (1).
ومن الغريب أن ينفي الشيخ محمد عبده مع ذلك أن يكون ما رآه إبراهيم عليه السلام في المنام من ذبح ولده إسماعيل عليه السلام من تلك الكلمات، وناقشه بمناقشة غير مفهومة فقال: وإنما هذا الأمر كلمة جعلوها عشرا.
وإنما يذهب الشيخ هذا المذهب الغريب في تفسير هذه الآية مع وضوح الأمر عنده في نفي تفسير الكلمات بالخصال العشر وغيرها من الروايات الضعيفة، لأن تفسير الكلمات بالابتلاءات الصعبة التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليه السلام يؤدي به من حيث يريد أو لا يريد إلى فصل الإمامة عن النبوة، واعتبار الإمامة أمرا آخر غير النبوة، ويؤدي ذلك بالضرورة إلى اشتراط سلامة الإمام من التلبس بالظلم (لا ينال عهدي الظالمين).
وهذا أمر إذا صح - وهو صحيح في رأينا - فإنه يخرج الإمامة عن دائرة اختيار الناس، ويجعلها في دائرة النص فقط، ويجعل العصمة من الشرك والمعاصي شرطا للإمامة، وخلافها مخلا بأمر الإمامة، حتى لو كان في فترة سابقة، وتاب صاحبه، وحسنت توبته.
وهذا أمر لا يريد الشيخ أن يقر به، ولا يريد أن يفصح عن السبب.