الاعراض ونهب الأموال وغرق الناس في دجلة وضياع الكتب ما قل نظيره في تاريخ العمران، ولم تكن خسارة الشيعة في هذه الكارثة لافى بغداد ولا في غيرها من بلاد خراسان وما وراء النهر بأقل من خسارة أهل السنة، فقتلوا فيمن قتل، وكان في القتلى من الاشراف والفاطميين ما لا يحصى.
وكان من أقوى أسباب انهزام المسلمين ما حدث بينهم من المنازعات والحروب الداخلية، والرغبة في الملك والسلطان، وانهماكهم في المعاصي والشهوات، وضعف الخلفاء في تدبير الأمور، وظهور العصبيات الباردة في المسائل الكلامية، والخلافات المذهبية، واشتغال أرباب المناصب بالملاهي وتكبر الخليفة المستعصم، وبخله بالأموال، فكان كما وصفه في تاريخ الخلفاء تائها في لذاته لا يطلع على الأمور، ولاله غرض في المصلحة.
وقال ابن كثير: ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة، استهلت هذه السنة، وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار هولاكوخان إلى قوله وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولدة تسمى عرفة جاها سهم من بعض الشبابيك فقتلها، وهي ترقص بين يدي الخليفة فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعا شديدا.
وقال ابن الطقطقي في الفخري في الآداب السلطانية كان المستعصم آخر الخلفاء شديد الكلف بالله واللعب، وسماع الأغاني، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات، لا يراعون له صلاحا، وفى بعض الأمثال (الخائن لا يسمع صياحا)، وكتب له الرقاع من العوام وفيها أنواع التحذير وألقيت وفيها الاشعار في دار الخلافة فمن ذلك (مجتث)