الكارثة، وما جرى فيها من القتل العام، وذبح المسلمين والمسلمات، فالشيعي لا يجوز قتل مسلم واحد سنيا كان أو شيعيا الا بالحق، فكيف يرضى بهذه المذبحة العامة وقتل الشيوخ والأطفال، وتغلب الكفار على المسلمين، وليس في فقها الشيعة من أفتى بجواز قتل واحد من أهل السنة لأنه سنى، فضلا عن قتل عامة أهل بغداد مع ما فيهم من العلماء والأشراف من السنيين والشيعيين، واما الخواجة نصير الدين المحقق الطوسي فشأنه اجل وأنبل من التدخل في هذه الفاجعة، وقد كان هلاكو قبل استخلاصه الخواجة من يد الإسماعيلية ارسل إلى الخليفة وطلب منه ان يعينه بالجنود والعساكر، وكان غرضه من ذلك توطئة الوسيلة للخروج عليه، وفتح بغداد كغيره من البلاد، ولم يكن لمنع الخواجة في فسخ عزيمته قليل تأثير، فهو وان كان مكرما عنده ظاهرا، وكان هلاكو يفتخر بوجوده في البلاط السلطاني، وأراد ان ينتفع بعلمه وحكمته، لكن لم يكن الخواجة ممن لازم السلطان وصحبته بالاختيار، بل كان مكرها مجبورا في ذلك، لم يكن له بد من صحبة السلطان، وما كان حاله عند هلاكو أحسن من حاله عند الإسماعيلية.
ومما يبعد نسبة وجود مواضعة بين هذا الفيلسوف وابن العلقمي ان ابن العلقمي كتب إلى الأمير ناصر الدين المحتشم ان نصير الدين الطوسي قد ابتدا بمكاتبة الخليفة، وانشاء قصيدة في مدحه، وأراد الخروج من عندك، وهذا لا يوافق الرأي فلا تغفل عن هذا، فلما قر المحتشم كتابه حبس المحقق!.
وعلى كل حال فمثل هذا الحكيم الفيلسوف الذي قلما يجود الزمان بمثله في العلم والأخلاق، والفضائل النفسانية، والكمالات الانسانية، ويضرب به المثل في التواضع والحلم، والرحمة البشرية، لا يقدم على امر لا يقدم عليه الا من ألقى جلباب الانسانية عن نفسه، ورفع الله الرحمة عن قلبه، وأين هذا من رجل كان معلم الأخلاق، ولا يزال يكون تصانيفه في الحكمة العملية من مصادر التربية، وتعليم اصلاح الباطن وتهذيب النفس ".
نعم ليس لمثل الخواجة ذنب غير حب أهل البيت، فصار بهذا الذنب غرضا لسهام الجهال، كما أن الشارح المعتزلي السني الذي توفى قبل استيلاء المغول على بغداد ليس