الموصل قد اهدى لي هذا، واستحييت منه ان أرده إليه، وقد حملته واسال قبوله فقبل، ثم انه اهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئا من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار ، والتمس منه ان لا يهدى إليه شيئا بعد ذلك.
وكان خواص الخليفة جميعا يكرهونه ويحسدونه، وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبه، وكثروا عليه عنده، فكف يده عن أكثر الأمور، ونسبه الناس إلى أنه خامر وليس ذلك بصحيح، قال: وفى آخر أيامه قويت الأراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السلطان هلاكو فلم يحرك ذلك منه (يعنى المستعصم) عزما ولا نسبه منه همة، ولا أحدث عنده هما، وكان كلما سمع عن السلطان من الاحتياط والاستعداد شئ ظهر من الخليفة نقيضه من التفريط والاهمال (إلى أن قال) وكان وزيره مؤيد الدين ابن العلقمي يعرف حقيقة الحال في ذلك، ويكاتبه بالتحذير والتنبيه، ويشير عليه بالتيقظ والاحتياط والاستعداد، وهو لا يزداد الا غفولا، وكان خواصه يوهمونه انه ليس في هذا كبير خطر (الخ).
وليس عندي ببعيد ان نسبة الخيانة إلى الوزير العلقمي صدرت أولا من بعض المتعصبين كما أسلفنا الايعاز إليه، ثم نقلها بعض الشيعة ممن جرح عواطفهم ما صدر من العباسيين وعمالهم على الشيعة من سلب الحرية والاضطهاد، والقتل والتعذيب، مما تقشعر من ذكره الأبدان، فكأنه أراد بنقل ذلك شفا ما في صدره من هذه الأعمال الفجيعة، والسياسات الظالمة، ومن نقلها من السنيين لم يسندها إلى مصدر معتبر موثوق به، ولم أعثر في كتب التراجم والمعاجم الشيعية ذكرا لهذه النسبة، فضلا عن الافتخار به، ولو كان فيهم من يفتخر بذلك (العياذ بالله) لذكروا في كتبهم المؤلفة في عصر الخواجة والعلقمي، وهذه كتب العلامة الحلي في الإمامة وخلاف الأمة ليس فيها ذكر عن ذلك، مع أنه كان من تلامذة الخواجة في المعقول، نعم في الاعصار الأخيرة ذكر ذلك القاضي نور الله الشهيد المتوفى س 1021 في مجالس المؤمنين، وتبعه مولف روضات الجنات المتوفى س 1313 من غير استناد إلى أصل موثوق به، وسواء أكان تدخل العلقمي في هذه الحادثة معلوما أم مشكوكا فأصول الشيعة تأبى عن الرضا بهذه