قال الفخر الرازي في تفسيره المسمى بمفاتيح الغيب وفي تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقية) ه:
المسألة الرابعة اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها:
(الحكم الأول) ان التقية انما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان، وذلك بان لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أيضا ان يظهر الكلام الموهم للمعية والموالاة، لكن بشرط ان يضمر خلافه، وان يعرض في كل ما يقول، فان التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.
(الحكم الثاني للتقية) هو انه لو أفصح بالايمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل، ودليله ما ذكرنا في قصة مسيلمة.
(الحكم الثالث للتقية) انها انما تجوز فيما يتعلق باظهار الموالاة والمعاداة، وقد تجوز أيضا فيما يتعلق باظهار الدين، فاما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا، وغصب الأموال والشهادة بالزور، وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة.
(الحكم الرابع) ظاهر الآية يدل على أن التقية انما تحل مع الكفار الغالبين الا ان مذهب الشافعي (رض) ان الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس.
(الحكم الخامس) التقية جايزة لصون النفس، وهل هي جايزة لصون المال يحتمل ان يحكم فيها بالجواز لقوله صلى الله عليه وآله: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، ولقوله صلى الله عليه وآله: من قتل دون ماله فهو شهيد. ولأن الحاجة إلى المال شديدة، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء، وجاز الاقتصار على التيمم دفعا لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز هيهنا والله أعلم.
(الحكم السادس) قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتا في أول الاسلام لأجل ضعف المؤمنين فاما بعد قوة دولة الاسلام فلا. روى عوف عن الحسن انه قال: التقية جايزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى لان دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان (انتهى كلامه).
وقال الشيخ الطوسي في التفسير المسمى بالتبيان في تفسير الآية المذكورة: