مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٨
والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الافصاح بالحق عندها (ثم ذكر ما روى الحسن في قصة مسيلمة وقال: فعلى هذا، التقية رخصة، والافصاح بالحق فضيلة، وظاهر اخبارنا يدل على انها واجبة وخلافها خطا.
وقال الطبرسي في مجمع البيان: وفى هذه الآية دلالة على أن التقية جايزة في الدين عند الخوف على النفس، وقال أصحابنا: انها جائزة في الأحوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، وليس تجوز من الافعال في قتل المؤمن ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن انه استفساد في الدين، قال المفيد: انها قد تجب أحيانا وتكون فرضا، ويجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها، وقد يكون تركها أفضل، وان كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه، ومتفضلا عليه بترك اللوم عليها.
فهذه جملة من كلمات علماء الفريقين مفصحة بجواز التقية في الجملة، معلنة بتقارب آرائهم فيها، وان الكل معتمدون في القول بها على الكتاب والسنة.
إذا فما ذنب الشيعة في القول بها؟ وما وجه مؤاخذتهم عليها الا التعصب والجهل؟ نعم رأى الشيعة جواز التقية، وقد عملوا بها في الأجيال التي تغلبت فيها على البلاد الاسلامية أمرا الجور، وحكام جبابرة مثل معاوية، ويزيد، والوليد، والمنصور، والهادي، وهارون، وزياد، والحجاج، والمتوكل، وغيرهم ممن عذبوا أئمة أهل البيت أئمة الخير، ومثل العلم والزهد والدين، وعذبوا أشياعهم شر تعذيب، وقتلوهم أبشع قتلة.
وفى العصور التي كان فيها اخذ الحديث من أئمة أهل البيت وعترة النبي صلى الله عليه وآله وممن يحبهم أو يفضلهم على غيرهم من أعظم الجرائم السياسية، في العصور التي سلبت عن المسلمين الحرية التي هتف بها الاسلام، وكان سب أمير المؤمنين علي عليه السلام سنة جارية لا يجترى أحد ان ينكره.
نعم عملوا بالتقية في الأزمنة التي كان فيها من بنى فاطمة الزهرا بضعة الرسول صلى الله عليه وآله من يخفى انتسابه إليها والى بعلها عليهما السلام ليسلم من القتل والسجن والسوط، وأنواع التعذيب الجارية على المتشرفين بهذه النسبة الشريفة الطاهرة الزكية، وفى الأجيال التي لا يعد الرجل فيها من أهل السنة الا إذا كان في نفسه عن أمير المؤمنين وفاطمة وسائر
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»