مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٧٨
فانظر كتبهم في الرجال وفي الجرح والتعديل، مثل: لسان الميزان والجرح والتعديل للرازي، وتدبر في كلماتهم في شأن أبي مريم الأنصاري، الذي روى هذا الحديث في عصر كان رواية مثله من أكبر الجرائم السياسية، وانظر هل تجد في ذلك الرجل موضع غمز وتنقيص إلا الموالاة ومودة ذوي القربى، ورواية مثل هذه الرواية؟
فلا تجد غير ذلك سببا لتركهم حديثه وحديث أمثاله، فرموه لذلك تارة بالكذب، وتارة بعدم الوثاقة، وعلته الأصلية هو التشيع وروايته أحاديث الفضائل. فهذا أحمد بن حنبل يقول فيه، كما نقله الرازي عنه في الجرح والتعديل (انه ليس بثقة، كان يحدث ببلايا في عثمان) ويقول (هو متروك الحديث، كان من رؤساء الشيعة). وفي لسان الميزان قال (يقال: كان من رؤوس الشيعة). ثم أخرج عنه حديث (علي مولى من كنت مولاه).
فهذا ذنب الرجل أنه أولا، كان يحدث ببلايا في عثمان، وثانيا، أنه كان من رؤساء الشيعة. وإذا كان الحديث ببلايا عثمان موجبا للقدح في أحد، فما يقولون في عايشة وطلحة والزبير وعمار وغيرهم من الصحابة، الذين كانوا من المتجاهرين في القوم ببلايا عثمان وذمه المشيرين عليه حتى قتل؟ وإذا كان عثمان أحدث في الاسلام ما أحدث، وصنع ما أغضب الصحابة مثل الصحابي الزاهد الكبير الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقه (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، فأنكر عليه صنائعه غير المرضية، فنفاه عثمان إلى الربذة، فمات في منفاه وحيدا مظلوما، فما ذنب أبي مريم الأنصاري ان حدث ببلاياه؟ وإن كان هذا سببا للطعن فيه، فمن كان هذه بلاياه أحق وأولى بالطعن منه.
أتريدون أن لا يقول أحد من التاريخ ومما جرى على هذه الأمة شيئا؟ ولا يعرف أحد ما وقع في عصر الصحابة؟ ولا يفهموا تلكم الحقائق التي ترتبط معرفتها بمعرفة رسالة الاسلام، ومناهجها العالية في السياسة والحكومة والمال وغيرها؟ لا والله، لا يمكن ذلك، وإن أمكن اخفاء تلك الحقائق التاريخية في العصور الماضية، لا يمكن ذلك في عصرنا الحاضر، عصر الطباعة والنشر، والثقافة والتفكر، الذي تيقظ فيه المسلمون من رقدتهم، وأدركوا سيما الشبان المثقفون، أن بلاءنا كله يرجع إلى صنائع بعض الأولين من أهل السياسة مما شوه وجه الاسلام في الحكم والإدارة.
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»