مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٨١
وقال ابن كثير: (وهذه الطريق فيها شاهد لما تقدم، الا أنه لم يذكر ابن عباس فيها، فالله أعلم. وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عباد بن عبد الله الأسدي وربيعة بن ناجذ عن علي، نحو ما تقدم، أو كالشاهد له.) (1) فابن كثير كما يظهر من كلامه يقوي ضعف السند من طريق الطبري بغيره مما لا ضعف فيه، إلا أنه أيضا غلط في أصل تضعيف السند كغيره، كما أنه غلط غلطا كبيرا في الحكم على عبد الغفار بن القاسم بأنه كذاب شيعي، ولم يأت بدليل على ذلك غير أن ابن المديني وغيره اتهمه بوضع الحديث، وضعفه الباقون.
ولا يخفى أن من يتق الله، ويعتقد حرمة عرض المسلم كحرمة ماله ودمه، لا يخوض في عرض المسلم بمجرد التهمة، ولا يسئ الظن به، ولا يجوز له أن يقول أزيد مما قيل فيه. إذا وجب ذلك، فمن أين قلت يا بن كثير أنه كذاب؟ وما كذبه؟ ومن أين علمت ذلك؟ وما جوابك حين يخاصمك عبد الغفار عند الله تعالى (2)؟!

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٤٠.
(٢) لا يخفى عليك أن أرباب الرجال والتراجم والفهارس من الشيعة، المشهورين بكمال التورع والاحتياط، سيما في الجرح والتعديل، صرحوا بوثاقة هذا الشيخ الجليل (أبي مريم عبد الغفار بن القاسم القيس الأنصاري) والرجل من أصحاب الإمام زين العابدين علي بن الحسين وابنه الإمام محمد بن علي الباقر وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، ويكفيه ذلك فخرا وشرفا وفضلا. توجد ترجمته في فهرست الشيخ ورجاله، وفهرست النجاشي، والخلاصة للعلامة، ورجال ابن داود والكشي، والوجيزة، والبلغة، وجامع الرواة وغيرها.
ومما يؤيد حسن حال الرجال، ويزيد في تعرف حالهم معرفة شيوخهم وتلاميذهم ومن أخذ عنهم العلم، وللرجل في هذا شأن سامي ومكان عال، فان شيوخه الذين أخذ العقيدة والمذهب منهم، واتخذهم أئمة وتمسك بهم، واعتصم بحبل ولايتهم الذي حبل الله، هم من عرفتهم: الإمام زين العابدين والإمام باقر علوم النبيين والإمام جعفر الصادق (عليهم السلام)، فقد تخرج هذا الرجل من مدرستهم الكبيرة، وتلمذ عندهم، وأخذ العلم من نميرهم الصافي (يراجع جامع الرواة، والكشي، والنجاشي وغيرها).
وقد روى الحديث عن عطاء، وعدي بن ثابت، والمنهال بن عمرو ونافع (الجرح والتعديل للرازي ج ٣، ص ٥٣) وسمع منه يحيى بن سعد الأنصاري، وشعبة، وكان حسن الرأي فيه (الجرح والتعديل، ج ٣، ص ٥٣ و ٥٤) وروى عنه جماعة من الأجلاء والرواة، كالحسن بن محبوب، ومحمد بن موسى خوراء، وصالح بن عقبة، وموسى بن بكر، وعلي بن الحسن بن رباط، وأبو ولاد، وأبان بن عثمان، وهشام بن سالم، وعلي بن النعمان، وعثمان بن عيسى، وعبد الله بن المغيرة، وثعلبة بن ميمون، ويونس بن يعقوب، والقاسم بن سليمان، وعبد الرحمن بن حماد، ومحمد بن أبي حمزة، ومحمد بن عيسى، والعباس بن المعروف، وسيف، وفضالة، وإبراهيم بن سنان، وظريف، وأحمد بن عمر، وجميل بن صالح والحسن بن سري (جامع الرواة ج ١، ص ٤٦١ و ٤٦٢).
ومما يظهر منه جلالة قدره، وحسن عقيدته، وايمانه بالأئمة الاثني عشر - الذين بشر النبي (صلى الله عليه وآله)، الأمة بهم، كما جاء في الروايات المتواترة - ما روى الشيخ الجليل أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز في كتاب (كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر) بسنده عنه، قال (أبو مريم الأنصاري):
(دخلت على مولاي الباقر (عليه السلام) وعنده أناس من أصحابه، فجرى ذكر الاسلام، قلت: يا سيدي! فأي الاسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قلت: فأي الأخلاق أفضل؟ قال: الصبر والسماحة، قلت: فأي المؤمنين أكمل ايمانا؟ قال أحسنهم خلقا، قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: أن تهجر ما حرم الله عز وجل عليك، قلت: يا سيدي! فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال: لا أرى ذلك، قلت: اني ربما سافرت إلى الشام، فأدخل على إبراهيم بن الوليد، قال: يا عبد الغفار! إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء: محبة الدنيا، ونسيان الموت وقلة الرضا بما قسم الله لك، قلت: يا بن رسول الله! فاني ذو عيلة وأتجر إلى ذلك المكان لجر المنفعة، فما ترى في ذلك؟ قال: يا عبد الله! اني لست آمرك بترك الدنيا، بل آمرك بترك الذنوب، فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة، قال: فقبلت يده ورجله وقلت: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلا عندكم، واني قد كبرت سني ورق عظمي، ولا أرى فيكم ما أسر به، أريكم مقتلين مشردين خائفين، واني أقمت على قائمكم منذ حين.
أقول أخرج اليوم أو غدا، قال: يا عبد الغفار! إن قائمنا هو السابع من ولدي، وليس هو أو ان ظهوره، ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم يخرج في آخر الزمان، فيملأها قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما.) قلت: فان هذا كائن يا بن رسول الله، فإلى من بعدك؟ قال: إلى جعفر، وهو سيد أولادي وأبو الأئمة صادق في قوله وفعله، ولقد سألت عظيما يا عبد الغفار، وإنك لأهل الإجابة، ثم قال:
ألا ان مفتاح العلم السؤال، وأنشأ يقول:
شفاء العمى طول السؤال وانما * تمام العمى طول السكوت على الجهل منتخب الأثر
(٨١)
مفاتيح البحث: كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، عبد الله بن عباس (1)، عبد الغفار بن القاسم (2)، ربيعة بن ناجذ (1)، الشهادة (1)، الظنّ (1)، الجواز (1)، الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله (2)، كتاب رجال ابن داود (1)، كتاب كفاية الأثر للخزار (1)، كتاب جامع الرواة لمحمد علي الأردبيلي (2)، كتاب جامع الرواة (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب الجرح والتعديل للرازي (1)، أبو مريم الأنصاري (1)، عبد الله بن المغيرة (1)، علي بن الحسن بن رباط (1)، إبراهيم بن سنان (1)، محمد بن موسى خوراء (1)، محمد بن علي الخزاز (1)، القاسم بن سليمان (1)، أبان بن عثمان (1)، علي بن النعمان (1)، يونس بن يعقوب (1)، عثمان بن عيسى (1)، ثعلبة بن ميمون (1)، الحسن بن محبوب (1)، جميل بن صالح (1)، صالح بن عقبة (1)، آخر الزمان (1)، محمد بن عيسى (1)، موسى بن بكر (1)، أحمد بن عمر (1)، محمد بن علي (1)، الشام (1)، الخوف (1)، الموت (1)، الصّلاة (1)، الصّلب (1)، القنوت (1)، التصدّق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»