مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٦٩
ناصية كل شئ، لا يملكون لنفسهم نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، نعبده ونستعين به وندعوه ونبتهل إليه، وأنكروا عليهم ما اتفق الكل على خطره وتحريمه، وكونوا أشداء على الكفار رحماء بينكم.
فكروا فيما يهم المسلمين، وفي الأمور التي تورث التودد وتوحيد الكلمة، وتوثق عرى الأخوة الإسلامية، ولا تشغلوا أنفسكم وأوقاتكم بمباحث أكل عليها الدهر وشرب، وأدى التعصب فيها إلى فتن كبيرة وإلى إتلاف النفوس. فقد جرب المسلمون أضرار أمثال هذا الجدل والنقاش وأخطارها، وعرفوها، فاعرفوها أنتم واعتبروا بها، ولنذكر نموذجا منها، تلك الفتنة التي وقعت بين الحنابلة والشافعية، وكان السبب في إثارتها، أسلافكم الحنابلة وأصحاب أبي محمد البربهاري، كما يحدثنا ابن الأثير بما نصه:
(فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم، ويوبخهم باعتقاد التشبيه وغيره، فمنه تارة إنكم تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين، وهيئتكم الرذلة على هيئته، وتذكرون الكف والأصابع والرجلين والنعلين المذهبين والشعر القطط والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنيا، تبارك الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، ثم طعنكم على خيار الأئمة، ونسبتكم شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الكفر والضلال، ثم استدعاءكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن، وإنكاركم زيارة قبور الأئمة، وتشنيعكم على زوارها بالابتداع، وأنتم مع ذلك تجتمعون على زيارة قبر رجل من العوام ليس بذي شرف ولا نسب ولا سبب برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرون بزيارته وتدعون له معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، فلعن الله شيطانا زين لكم هذه المنكرات، وما أغواه) (1).
اجتمعوا، وكونوا صفا واحدا، واسما على مسمى، رابطة بين المسلمين والعلماء الصالحين المصلحين وأصحاب الغيرة على النواميس الإسلامية، لامع الحكومات وعملائهم، فإن أكثرهم كما تعلمون يهابون الوحدة الإسلامية ويخشونها، إيمانا منهم

(1) الكامل لابن الأثير، الجزء 8، الصفحة 308.
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»