مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٤٥
ومن تدبر حق التدبر يعرف أن إشراف الفقهاء على الأمور إضافة لمنزلتهم الروحية ومنزلتهم الروحانية في القلوب هو أقوى الأسباب الموجبة لبقاء التشيع، وحفظ آثار المعصومين (عليهم السلام) إلى زماننا هذا.
إن هذه الولاية التي عرفت بعض شؤونها هي الحكومة الشرعية الحقة التي لم تنقطع من عصر سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، ولا تزال مستمرة باستمرار زمان التكليف، لا يتفاوت الأمر في تحققها بين أن يكون ولي أمرها مبسوط اليد في جميع ما جعله الله في حوزة حكومته وهو الدنيا بما فيها ومن فيها أو مبسوط اليد في بعضه، أو كان مرفوع اليد عن كله أو عن معظمه، أو كان حاضرا أو ظاهرا على الأنام، أو غائبا عن الأبصار.
فالحكومة الشرعية منعقدة مستمرة بهذا الاعتبار، والفقهاء العدول في عصر الغيبة هم الحاكمون شرعا والولاة على الأمور، وهذا هو معنى قوله (عليه السلام) في توقيعه الرفيع كما سنشير إليه:
(فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
وهذه هي الحكومة الشرعية التي يجب على المكلفين إطاعتها والانضواء تحت قيادتها، حتى وإن كانوا ساكنين في دائرة غيرها، فالمؤمن وإن كان في دار الكفر أو في بلاد المسلمين تحت سلطة غير شرعية: فإنه يجب عليه أن يكون منقادا لهذه الحكومة الشرعية التي جعل الإمام أمرها في عصر الغيبة بيد الفقهاء.
ولا يخفى عليك أن ولاية الفقهاء في عصر الغيبة على هذا المبنى تكون كولاية الحكام والنواب المنصوبين من قبل الإمام في عصر الحضور، وأن الأحكام السلطانية التي تصدر عن صاحبها يجب أن تكون لتنفيذ الأحكام الشرعية، ولترجيح بعضها على البعض في موارد تزاحم الأحكام والحقوق، فلا ترفع اليد بهذه الأحكام عن الحكم الشرعي بتاتا، وإنما ترفع بها اليد عن الحكم المهم للأخذ بالأهم حسب تشخيص الحاكم بلزوم ترك حق أو جهة لحفظ حق أو جهة أهم.
وعلى كل حال، فكلامنا في المسألة ليس في الأحكام السلطانية، بل في المناصب الولائية التي يستمد الفقيه منها صلاحيته لإصدار الأحكام السلطانية.
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»