مقامه في الأمصار التي هو غائب عنها، وكذا في الأزمنة التي هو غائب فيها، وتصديق ذلك قوله تعالى:
(وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (1) وذلك لأنه لا يجوز على الله ترك الناس بغير حاكم ووال.
مدى دائرة ولاية الفقهاء وصلاحيتهم إذا لا ريب في جعل الإمام الفقهاء ولاة وحكاما على العباد، للاتفاق والإجماع على عدم ولاية غيرهم، وليس مثل التوقيع الشريف وما بمعناه إلا إنشاء هذه الولاية لهم، فلهم المناصب الولائية التي هي من شؤون الوالي عند العرف والشرع.
ومن جملة ما يؤول أمره في عصر الغيبة إلى الفقهاء العدول ما للإمام (عليه السلام) من الخمس وغيره مثل: ميراث من لا وارث له، فيكون للفقهاء الجامعين للشرائط بحكم منصبهم الولائي الذي تلقوه عن الإمام (عليه السلام)، فيقومون بصرفه في حفظ بيضة الإسلام، والذب عن حريم الدين، وما يوجب إعزاز الشرع المبين وقوة جماعة المؤمنين، مثل: تأسيس الحوزات العلمية، ومصارف طلبة العلوم الدينية الذين يترتب على وجودهم حفظ الآثار من الاندراس، وتعليم الناس بالحلال والحرام، وبث الدعوة إلى الإسلام، وبناء المساجد والمدارس، وطبع الكتب الإسلامية، وتأسيس المشاريع الخيرية، وإنشاء المؤسسات الاقتصادية والتربوية، مما يوجب عز المسلمين واستغناءهم عن الكفار في الصناعة والتقنية، ويمنعهم من الوقوع في استضعافهم السياسي والاقتصادي.
كما يصرفونه في إعانة الضعفاء، وكل أمر نعلم أن الإمام (عليه السلام) لو كان حاضرا لصرف فيه أمواله الشخصية، وإن كسبها بكد اليمين وعرق الجبين، لتكون به كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، مراعيا في كل ذلك الأهم فالأهم.