وقال سبحانه تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم) (1) وهذا كالتوفيق والخذلان فلا يفوز بالتوفيق من الله، الذي هو ولي التوفيق، إلا من كانت له أهلية ذلك، كما لا يصيب الخذلان إلا من جعل نفسه في معرضه.
قال الله تعالى (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون) (2) فهذه أمور مرتبطة بالشؤون الربوبية، واستصلاح حال العباد وما تقتضيه الحكمة الإلهية، وهو العالم بها وبمواردها، وهو الحكيم العليم الفياض الوهاب الجواد الذي لا يبخل، ولا ينفد خزائنه، ولا يمنع فيضه ممن له أهلية ذلك.
ألا ترى اختلاف الناس في الاستعدادات، والقوى النفسانية والجسمانية.
فالله تعالى أعطى من أعطاه من قوة الدرك والشعور بحكمته، ولأنه أهل لقبول عطيته وأخذ موهبته، ولم يحرم من لم يعطه ذلك، ولم يبخس حقه، بل أعطاه بقدر استعداده وظرفيته، ونعم ما قاله الشاعر - بالفارسية:
آنكه هفت إقليم عالم را نهاد * هر كسى را آنچه لايق بود، داد گر بريزى آب را در كوزه أي * چند گنجد قسمت يكروزه أي آب كم جو تشنگى آور بدست * تا بجوشد آبت از بالا وپست ثم إن بعض أهل الأهواء من المغترين بالثقافة الغربية، ممن نعتوا أنفسهم بالثقافة والتنور الفكري وما هم بذلك، زعم أن الإرادة في الآية لو كانت تشريعية، وكان اجتناب أهل العصمة عن المعاصي والقبائح باختيارهم لكانت أدل على فضيلتهم، وكمال نفوسهم من اجتنابهم عن المعصية بسبب عصمتهم، وبهذا البيان المزخرف أراد نفي دلالة آية التطهير على عصمتهم، وإنكارها من الأصل.
والجواب عن هذا الزعم الفاسد: أنه لا ملازمة بين العصمة وعدم الإختيار، ولا منافاة بينها وبينه، فإن الإرادة الحتمية والتكوينية تارة تتعلق بفعله، وما يصدر