ومن البراهين القائمة التامة القاطعة على عدم وقوع التحريف فيه زيادة ونقيصة انه معجزة الإسلام الخالدة، معجزة باقية تثبت بها رسالة سيدنا محمد خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، بل وسائر رسالات السماء لأنها كلها تثبت بالقرآن الكريم. والتحدي به لإثباته مستمر إلى زماننا هذا وما بعده، فلكل مسلم أن يتحدى به في جميع الأزمنة. ولا ريب أن وقوع الزيادة أو النقيصة فيه تمنع من ذلك، لأنه حينئذ لا يكون مصونا من المعارضة والآتيان بمثله، فعجز البشر عن الإتيان بمثله في مر الزمان، مع هذا الإعلام والإعلان العام الشامل لجميع الأعصار والأدوار، دليل واضح على صيانته من الزيادة والنقصان.
فها نحن وجميع المسلمين نتحدى به لإثبات رسالة الإسلام ونبوة سيدنا محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) ونقول: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من أن القرآن مصون وأنه في حفظ الله من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
هذا مضافا إلى أن العارف بالتاريخ الإسلامي واهتمام النبي صلى الله وآله بشأن القرآن تبليغا وحفظا وكتابة، وكذا اهتمام الصحابة بأخذه وحفظه وتعليمه وتعلمه، وكذا تجزئته بالآيات والسور بأسمائها المعروفة في عصره، يعرف أن مثل هذا الكتاب مع هذا الاهتمام البليغ بشؤونه لا يمكن عادة أن يزاد عليه أو ينقص منه، فإذا كان ديوان شعر شاعر مشهور مصونا من التصرف فيه والتغيير، والقصايد السبع المعلقة في نزول القرآن محفوظة عن ذلك، وإن زيد عليها بيت عرفه أهل الأدب والعارفون بفنون البلاغة بل وغيرهم، فكيف يمكن عادة وقوع ذلك في القرآن الكريم مع كثرة الدواعي إلى حفظه لفظا بلفظ وكلمة بكلمة؟ ومن الذي لا يعرف من أهل اللسان أن ما نقل في المنقولات الضعيفة أنه سقط من القرآن لا يلتصق به فصاحة وبلاغة وأسلوبا ومضمونا وهداية.
فان قلت: نعم احتمال الزيادة مردود قطعا وأما احتمال النقيصة وإن كان بمكان من الضعف لا يعتد ولا يعتنى به، إلا أنه غير مقطوع به.