صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٥٠
ومن ذمته بين الحق والباطل. وهذا هو ما يزيدنا اعجابا بهؤلاء الابطال من تلامذة علي عليه السلام، ولكن شيئا من وعظه لم يجده نفعا سوى أن يقول زياد فيه: " ليس النفاخ بشر الزمرة " ثم أمر به فقتل (1) ".
ولا أدري، ولا أظن زيادا نفسه يدري، بأي جريرة أخذ ابن حصن فأشاط بدمه و " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " - كما في الحديث -؟.
والرجل في أجوبته كلها كما رأيت لم يفضح سرا، ولم يهتك أمرا. ولكن الذي ناقض الكتاب صريحا فأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر خلافا لقوله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " لحري بأن لا يفهم لغة الحديث ولا لغة الكتاب.
واعتصم بغلوائه فإذا الناس من حوله في أشد محن الدنيا: جماعات تساق إلى السجون، وزرافات تطارد أينما تكون، ومئات تعرض عليه كل يوم لتسمل عيونهم، أو لتقطع أطرافهم، أو ليؤمر بهم فتحطم ضلوعهم (2). وبين الكوفة والشام فرائس أخرى ترزح بالأصفاد. وما في الكوفة الا الارهاب المميت، وما في الشام لهؤلاء الا الموت المرهوب.
وخشعت الكوفة التي كانت تفور - في أمسها القريب - بالمؤامرات والمعارضات خشوع الجناح الكسير، بما وسعها من مظالم الحكام الأمويين. وكان المتآمرون بالأمس هم المتآمرين بالجور اليوم، وكانوا هم الحاكمين بأمرهم فيما يسنون أو فيما ينفذون، فما بالها لا ترتجف فرقا؟ وما بال أهلها لا يلوذون بالفرار هربا؟..

(1) يراجع ابن الأثير (ج 3 ص 183)، والطبري (ج 6 ص 130 - 132).
(2) جيء إلى زياد بعمير بن يزيد (من أصحاب حجر بن عدي) وقد أعطي الأمان على دمه وماله، فأمر به زياد فأوقر بالحديد، ثم أخذته الرجال ترفعه حين إذا بلغ سورها - أعلى القامة - ألقوه فوقع على الأرض ثم رفعوه ففعلوا به ذلك مرارا! الطبري (ج 6 ص 147).
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 355 356 ... » »»