صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٥٦
الحصيف في مزالق الفتن، وتمرسه البصير في الشدائد، وبصيرته النافذة وتجاربه الكثيرة الماضية، فجرى في حديثه معه عند " موهبته الخاصة " التي كان يفزع إليها في منازلة العظماء من أعدائه، فقال: " يا عدي أين الطرفات؟ - يعني بنيه طريفا وطارفا وطرفة - " قال: " قتلوا يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب ". فقال: " ما أنصفك ابن أبي طالب، إذ قدم بنيك واخر بنيه ". قال، " بل ما أنصفت أنا عليا، إذ قتل وبقيت بعده ". فقال معاوية: " أما انه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها الا دم شريف من أشراف اليمن! ". فقال عدي: " والله ان قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وان أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت لنا من الغدر فترا لندنين إليك من الشر شبرا! وان حز الحلقوم، وحشرجة الحيزوم، لاهون علينا من أن نسمع المساءة في علي فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف ".
فقال معاوية: " هذه كلمات حكم فاكتبوها " - هزيمة منكرة من معاوية - وأقبل على عدي يحادثه كأنه ما خاطبه بشيء (1).
" ولا خير في حلم إذا لم يكن له * * * بوادر تحمي صفوه ان يكدرا " ثم قال له: " صف لي عليا ". فقال: " ان رأيت ان تعفيني ". قال: " لا أعفيك ". قال:
" كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلا، ويحكم فصلا، تتفجر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى. يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه. ونحن مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا اليه لعظمته. فان تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم. يعظم أهل الدين،

(1) المسعودي هامش ابن الأثير (ج 6 ص 65).
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 355 356 357 358 359 360 362 ... » »»