صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٥٣
القوداء، لا تدفع يد لامس؟ ".
فقال عمرو: " أما والله لقد وقعت في لهاذم شدقم (1) للأقران ذي لبد، ولا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين ".
فقال عبد الله: " أما والله يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم إذا وليت، هياب إذا لقيت، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجى في الشدة. أفلا كان هذا منك، إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغارا، ولم يمرقوا كبارا، لهم أيد شداد، والسنة حداد، يدعمون العوج، ويذهبون الحرج، يكثرون القليل، ويشفون الغليل، ويعزون الذليل "؟.
فقال عمرو: " أما والله لقد رأيت أباك يومئذ تخقق (3) أحشاؤه، وتبق أمعاؤه، وتضطرب اصلاؤه (3) كما انطبق عليه ضمد ".
فقال عبد الله: " يا عمرو! انا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك كذوبا غادرا، خلوت بأقوام لا يعرفونك، وجند لا يساومونك، ولو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ (4) عليك عقلك، ولتلجلج لسانك، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي أثقله حمله ".
فقال معاوية: " أيها عنكما ". وأمر باطلاق عبد الله لنسيبه. فلم يزل عمرو بن العاص يلومه على اطلاقه ويقول:
" أمرتك أمرا عازما فعصيتني * * * وكان من التوفيق قتل ابن هاشم أليس أبوه يا معاوية الذي * * * أعان عليا يوم حز الغلاصم؟
فلم ينثن حتى جرت من دمائنا * * * بصفين أمثال البحور الخضارم وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه * * * ويوشك ان تقرع به سن نادم " * * *

(1) أي واسع الشدقين.
(2) تشقق.
(3) أوساط الظهر.
(4) جحظ اليه عمله نظر في عمله فرأى سوى ما صنع، وجحط اليه عقله أي نظر إلى رأيه فرأى سوء ما ارتأى.
2 - عدي بن حاتم الطائي صحابي كريم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرمه إذا دخل عليه، وزعيم عظيم، وخطيب مدره، وشجاع مرهوب. أسلم سنة تسع وحسن اسلامه. قال: " فلما قدمت المدينة استشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم! وقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عدي أسلم تسلم، قلت: ان لي دينا، قال: أنا أعلم بدينك منك.. قد أظن أنه انما يمنعك غضاضة تراها ممن حولي، وأنك ترى الناس علينا ألبا واحدا. قال: هل اتيت الحيرة؟ قلت: لم آتها وقد علمت مكانها. قال: يوشك ان تخرج الظعينة منها بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز. فقلت: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل صدقته ". قال عدي: " فرأيت اثنتين: الظعينة، وكنت في أول خيل غارت على كنوز كسرى، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة (1) ". وقال: " أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يفرض للرجل ويعرض عني، فاستقبلته فقلت: أتعرفني؟. قال: نعم آمنت إذ كفروا، وعرفت إذ نكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا. ان أول صدقة بيضت وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة طيئ (2) ". وقال: " ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وأنا على وضوء (3) ".
* * * ونازعه الراية يوم صفين عائذ بن قيس الحزمري الطائي، وكانت بنو حزمر أكثر من " عدي " (4) رهط حاتم، فوثب عليهم " عبد الله بن خليفة الطائي " البولاني عند علي عليه السلام فقال: " يا بني حزمر أعلى عدي تتوثبون؟ وهل فيكم مثل عدي؟. أو في آبائكم مثل أبي عدي؟ أليس بحامي القربة؟. ومانع الماء يوم (روية)؟ أليس بابن ذي المرباع (1) و (2) و (3) الإصابة (ج 4 ص 228 - 229).
(4) هو الأب الخامس لعدي. فعدي الصحابي هو ابن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي - هذا -.
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 355 356 357 358 359 ... » »»