صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٩٣
السماوية كلها على أن العهد كان مسؤولا...
ولعل من الأفضل أن نستمع هنا إلى ما عهد به أمير المؤمنين علي عليه السلام للأشتر النخعي في هذا الموضوع، قال:
" وان عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت. فإنه ليس من فرائض الله شئ الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود. وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله الا جاهل شقي. وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره... ".
أقول: وإذا رجعنا بعد الالمام بهذه الحقائق إلى موضوعنا، رأينا أن الشروط التي أخذها الحسن بن علي (ع) على معاوية فيما تم بينهما من التعاهد على الصلح، كانت أكثر شروط عرفها التاريخ عهودا مؤكدة وأيمانا مغلظة، وكان معاوية هو الذي كتب نسختها الأخيرة بقلمه ووقعها بخاتمه.
ولم يكن بدعا أن يترقب الرأي العام الاسلامي، يومها، الوفاء بها كما يجب لمثل هذه العهود والايمان، وكما هو الأنسب بشخصيتين من هذا الطراز في الاسلام.
اما تلك المفاجأة الغريبة التي سبق إليها معاوية في خطابه على منبر الكوفة، ولما يمض على امضائه المعاهدة الا أيام ربما كانت لا تزيد على أسبوع واحد، فقد وقعت في المجتمع الاسلامي وقوع الصاعقة التي لا يسبقها انذار. فقال (على رواية المدائني) كما أشير اليه آنفا: " وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين! "، وصرح (على رواية أبي اسحق السبيعي) بقوله: " ألا ان كل شئ أعطيته للحسن بن علي تحت قدمي
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»