حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٢
يقدمني الله قبلك، فوالله إن الخلافة لشئ ما حدثت به نفسي، ولقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي، وان أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون كالأعمام لي وان كتبي لنافذة في الأمصار، وما زدتني من نعمة هي على من ربي " (1).
لقد رفض الإمام (عليه السلام) رفضا تاما التدخل في أي شأن من شؤون الدولة، وذلك للتدليل على عدم شرعية دولة المأمون، وانه انما دخل فيها عن كره واجبار.
الامام يخبر بعدم دخوله بغداد:
وقال المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) ندخل بغداد، وعرض عليه ما يفعله فيها، فقال (عليه السلام) له: تدخل أنت بغداد، وسمع بعض الشيعة هذا الكلام ففزع لأنه يؤذن بعدم دخول الامام إلى بغداد، واختلى بالامام، وقال له: إني سمعت شيئا غمني، وذكر له ما قاله الامام، فقال (عليه السلام) له:
" ما أنا وبغداد، لا أرى بغداد، ولا تراني... " (2).
وكان ذلك من دلائل إمامته، فإنه لم يفارق (خراسان)، حتى اغتاله المأمون، ولم ير بغداد.
الامام والفضل بن سهل:
أما الفضل بن سهل (3) فهو أقوى شخصية في دولة المأمون، ويتمتع

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 166 - 167.
(2) عيون أخبار الرضا 2 / 224 - 225.
(3) الفضل بن سهل السرخسي أسلم على يد المأمون سنة (190 ه‍) وكان من أخبر الناس بعلم النجوم، وقد طلب المأمون من والدة الفضل أن ترسل إليه بما خلفه ابنها فأرسلت إليه صندوقا صغيرا مختوما ففضه، فإذا فيه درج، وفي الدرج رقعة من حرير مكتوب فيها بخطه بعد البسملة هذا ما قضى الفضل بن سهل على نفسه، قضى انه يعيش 48 سنة ثم يقتل ما بين ماء ونار، وقد عاش هذه المدة، ثم قتله غالب خال المأمون بسرخس، ومن بديع ما قاله إبراهيم بن العباس الصولي في مدحه:
لفضل بن سهل يد * تقاصر عنها المثل فنائلها للغني * وسطوتها للأجل وباطنها للندى * وظاهرها للقبل ويقول في مدحه أبو محمد عبد الله بن محمد:
لعمرك ما الاشراف في كل بلدة * وإن عظموا للفضل إلا صنائع ترى عظماء الناس للفضل خشعا * إذا ما بدا والفضل لله خاشع تواضع لما زاده الله رفعة * وكل جليل عنده متواضع وأصيب الفضل بابن يقال له العباس فجزع عليه جزعا شديدا فدخل عليه إبراهيم نجل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فعزاه وأنشده.
خير من العباس أجرك بعده * والله خير منك للعباس فقال له الفضل صدقت، وجاء ذلك في وفيات الأعيان 3 / 209 - 211.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست