حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٩
من خلق فرزق، والهم فانطق وابتدع فشرع، وعلا فارتفع، وقدر فأحسن، وصور فأتقن، واجنح فابلغ، وانعم فاسبغ، وأعطى فأجزل، يا من سما في العز ففات خواطف الابصار، ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار.
يا من تفرد بالملك فلا ندله في ملكوت سلطانه، وتوحد بالكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه، يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام، وحسرت دون ادراك عظمته خطايف أبصار الأنام، يا عالم خطرات قلوب العارفين وشاهد لحظات أبصار الناظرين، يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لجلالته، ووجلت القلوب من خيفته، وارتعدت الفرايض من فرقه، يا بدئ يا بديع، يا قوي يا منيع، يا علي، يا رفيع، صلى على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه، وانتقم لي ممن ظلمني، واستخف بي، وطرد الشيعة عن بابي وأذقه مرارة الذل والهوان كما أذاقنيها، واجعله طريد الأرجاس وشريد الأنجاس... " (1).
واستجاب الله دعاء الإمام (عليه السلام) فقد ثارت الغوغاء على المأمون حتى كادت أن تقضى عليه ولاقى من الرعب والهوان ما لا يوصف.
وقام المأمون مرة أخرى بطرد الشيعة، وحاول النكاية بالامام فلما علم (عليه السلام) بذلك قام فاغتسل وصلى ركعتين ودعا في قنوته بهذا الدعاء:
" اللهم أنت الله الحي، القيوم، الخالق، الرازق، المحي المميت، البدئ، البديع، لك الكرم، ولك الحمد، ولك المن، ولك الامر، وحدك لا شريك لك، يا واحد، يا أحد يا فرد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد صل على محمد وآل محمد... ".
ثم دعا الله بصرف ما أهمه، فكشف عنه كيد المأمون وبغيه (2).
عدم محاباة الامام للمأمون:
ولم يجار الإمام (عليه السلام) المأمون، ولم يصانعه، وانما وقف منه موقفا يتسم بالجد والصراحة، والنقد اللاذع لبعض أعماله وكان المأمون يتميز غيظا، ويكتم ذلك، مجاراة للإمام (عليه السلام) وكان من بين مواقفه مع المأمون ما يلي:

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٧٢ - ١٧٣.
(٢) هامش المصباح (ص 293).
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست