وليس منكم إلا لاعب بنفسه، مأفون في عقله، إما مغن، أو ضارب دف، أو زامر، والله لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا، وصناعة وأخلاقا.
ليس منكم إلا من إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ولا تأنفون، ولا ترجون إلا خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوبا، ويصبح بإثمه معجبا، كأنه قد اكتسب حمدا، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل الف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس من زين له معصية أو اعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة، وتربده المطمورة، مشتت الأحوال، فان ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم وإلا فدونكم تعلو بالحديد، ولا قوة إلا بالله، وعليه توكلي وهو حسبي... " (1). وانتهت هذه الرسالة، وقد أدلى المأمون في أواخرها بعيوب أسرته وفضائحها، ولا أعلم أن أسرة عربية قد وصمت بمثل الفضائح التي ذكرها المأمون، والتي انتهت بهذه الأسرة إلى مستوى سحيق ماله من قرار.