وسلطانهم... ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:
" وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق لها في نفسه، واختيار مني له، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم، وهي الطريق أسلكها في اكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفئ بيسير ما يصيبهم منه... ".
وأعرب المأمون بيعته للإمام الرضا (عليه السلام) كانت من أجل صالح العباسيين، ففي هذه البيعة قد حقن دماءهم، ولعل سبب ذلك هو انفجار البلاد بثورات متصلة تنادي للرضا من آل محمد (ص) ليقيم في ربوع الوطن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، وحينما جاء بالامام الرضا ونصبه ولي عهده خمدت تلك الثورات، ولو استمرت لقضت على الحكم العباسي، وقضت على العباسيين...
ونعود لفصل آخر من هذه الرسالة يقول:
" وإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فإني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم وأنتم ساهون، لاهون، تائمون، في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم، وما أظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة، همة أحدكم أن يمسى مركوبا، ويصبح مخمورا، تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنثون مأفونون، لا يتفكر متفكر منكم في اصلاح معيشة، ولا استدامه نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، وأكببتم على اللذات فسوف تلقون غيا، وأيم الله لربما أفكر في أمركم فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال إلا أصبت تلك الخلة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها، وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض، وقد اتخذتموهم شعارا ودثارا، استخفافا بالمعاد وقلة يقين بالحساب، وأيكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود... ".
لقد وصف المأمون أسرته بأقبح الصفات التي لا يتصف إلا أراذل البشر، وشذاذ الآفاق، لقد صورهم بصورة تشمئز منها النفوس، ويترفع عنها أقل الناس