التمرد على حكومته أمثال إبراهيم بن شكلة وغيره، وبذلك فقد ملأوا قلب المأمون حقدا عليهم، ولولا أن طبيعته التجاوز - كما يقول - لما أبقى عباسيا على وجه الأرض، وهذا فصل آخر من رسالته يقول:
" وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني... أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير؟ ويلكم إن العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب، تدبره النساء، وتكلفه الإماء، ثم لم يتفقه في الدين، ولم يعرف حلالا من حرام إلا معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب، وتفقه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها ما كان له عندي إلا ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال فان لساني لم يزل مخزونا عن أمور وأنباء كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف علما بأن الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوما.
فإذا أبيتم إلا كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، عما وجده في كتاب الدولة وغيرها، ان السابع من ولد العباس، لا يقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعها، إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا، وهيهات مالكم إلا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصدا أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلا بحقها... ".
وحفل هذا المقطع بذكر الأسباب التي دعت المأمون إلى عدم ترشيح ولده العباس لولاية العهد، فإنه لم يستجمع الشرائط التي ينبغي توفرها في ولي العهد من العلم والفضل والتقوى وغيرها، فقد كان العباس غلاما لم تهذبه الأيام، ولم تصقله التجارب، ولم يقم على تكوينه علم أو ثقافة، وانما كان صبيا تدير أموره النسوان، وتدبر شؤونه الأمهات فكيف يصح ان يرشحه لهذا المنصب الخطير؟
وأضاف المأمون بعد هذا إلى أن الرشيد أخبره عما وجده في كتاب الدولة من أن نهاية الدولة العباسية تكون بعد الملك السابع من بني العباس، وبعده لا تقوم للعباسيين قائمة.
وقد أخطأ الرشيد فقد استمرت الدولة العباسية بعد السابع من ملوكهم، وكانت نهايتها على يد هولاكو التتار، فقد حصد رؤوس العباسيين، وأزال ملكهم