وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله، ليعرض على أمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة، وبالله الثقة، وإليه المفزع، والرغبة في التوفيق والعصمة، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله بالرضوان والرحمة.
وأنظر الأمة لنفسه، وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه، من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، في مدة أيامه وبعدها، وأجهد رأيه فيمن يوليه عهده، ويختاره لامامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم، ومفزعا في جمع ألفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم والامن بإذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم، واختلافهم ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، فان الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الاسلام وكماله، وعزه وصلاح أهله، وألهم خلفاءه الخلافة من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي والفرقة والتربص للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها، فانصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه، في دينه وورعه وعمله، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا بالاستجارة في ذلك ومسألته، والهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، ومعملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس، وعلي بن أبي طالب فكره ونظره، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته، حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة.
فكان خيرته بعد استخارته الله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا: