حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٦
أما بعد: فإن الله عز وجل اصطفى الاسلام دينا، واصطفى من عباده رسلا دالين عليه، وهادين إليه، ويبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله) على فترة الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا عليهم وانزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به، ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيى عن بيتة، وان الله لسميع عليم.
فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده (صلى الله عليه وآله)، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله)، الوحي والرسالة، وجعل قوام الدين، ونظام أمر المسلمين بالخلافة، واتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي يقام بها فرائض الله تعالى وحدوده، وشرائع الاسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبيل، وحقن الدماء وصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين، واختلالهم، واختلاف ملتهم وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة.
فحق على من استخلفه الله في ارضه، وائتمنه على خلقه أن يجهد الله نفسه، ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته، ويعتمد لما الله مواقفه عليه، ومسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما أحله الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " وقال الله عز وجل: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) وبلغنا ان عمر بن الخطاب قال: " لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها ".
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست