حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٠
يا هارون: هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضى بفعلك المؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل؟ أم رضى بذلك حملة القرآن وأهل العلم - يعني العاملين - أم رضى بفعلك الأيتام؟ والأرامل؟ أم رضى بذلك خلق من رعيتك، فشد يا هارون مئزرك * وأعد للمسألة جوابا، وللبلاء جلبابا، واعلم أنك ستقف بين يدي الله الحكم العدل، فاتق الله في نفسك إذا سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القرآن، ومجالسة الأخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالما، وللظالمين إماما.
يا هارون: قعدت على السرير، ولبست الحرير، وأسبلت ستورا دون بابك وتشبهت بالحجة برب العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس، ولا ينصفون، ويشربون الخمر، ويحدون الشارب، ويزنون، ويقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس، فكيف بك يا هارون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله احشروا الظلمة وأعوانهم، فتقدمت بين يدي الله، ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يكفهما الا عدلك وانصافك والظالمون حولك، وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق، ووردت المساق. وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك، وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلاء على بلاء، وظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمدا (ص) في أمته، واعلم أن هذا الامر يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك، وكذلك الدنيا تفعل بأهلها واحدا بعد واحد فمنهم من تزود زادا نفعه، ومنهم من خسر دنياه وآخرته، وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فاني لا أجيبك والسلام... ".
ثم بعث بالكتاب من غير طي ولا ختم (1) وحكى هذا الكتاب تصرف هارون بأموال المسلمين، وانفاقها في غير جهاتها المشروعة كما حكت هذه الرسالة ايمان سفيان وقوة شخصيته، ونكرانه لذاته... وبهذه الرسالة نطوي الحديث عن حكومة هارون.

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 55 - 57 نقلا عن حياة الحيوان للدميري 2 / 188.
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست