حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ٢٠٩
قال (عليه السلام):
" واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها، وكثر ريعها وزكى زرعها، وان تغوفل فسدت، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح، ويصلح، وتزكو العافية.
فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك، ويوافق معدتك، ويقوى عليه بدنك، ويستمريه من الطعام، فقدره لنفسك، واجعله غذاءك.
واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبايع تحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه، ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه، وارفع يديك منه، وبك إليه بعض القرم، وعندك إليه ميل فإنه أصلح لمعدتك ولبدنك، وأزكى لعقلك، وأخف لجسمك... ".
ووضع الإمام الحكيم المنهج العام للصحة العامة، وأساسها التوازن، وعدم الاسراف في الأكل والشرب، وقد أعلن القرآن هذه القاعدة في حفظ بدن الانسان ووقايته من الإصابة بالأمراض قال تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا).
إن الجهاز الهضمي من أهم أجهزة الانسان، وأكثرها حيوية وحساسية وهو يتأثر بالاسراف في الاكل الذي تنجم منه السمنة التي هي من أعظم الآفات المدمرة لبدن الانسان.
ان العناية بالتغذية خصوصا في مقتبل العمر لها تأثير كبير على الحالة الصحية في السنوات التالية كما تطيل في فترات الشباب، وهي من أحدث الوسائل في الصحة الوقائية، فما يصيب الانسان - على الأكثر - من الأمراض المتنوعة انما هي من النتائج المباشرة لإسرافه في الطعام، والشراب، وعدم توازنه في حياته الجنسية وغيرها من شؤون حياته.
لقد شبه الإمام الحكيم بدن الانسان بالأرض الخصبة، وهو تشبيه بديع للغاية، فان الانسان إذا اعتنى بأرضه، وسهر على اصلاحها أثمرت وأعطت أطيب الثمرات، وإذا عرض عنها، وأهملها فإنها تتلف وتموت ولا تعطي أي ثمار، وكذلك بدن الانسان إذا أصلحه ولم يفسده بكثرة الأكل والشرب فإنه يصلح، ويتمتع بالصحة التي هي من أثمن ما يظفر به الانسان في حياته.
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست