حياة الإمام الرضا (ع) - السيد جعفر مرتضى - الصفحة ٥٣
ويقول داوود بن علي في خطبته الأولى في مسجد الكوفة أيضا:
". وأحيا شرفنا وعزنا، ورد إلينا حقنا وإرثنا. " (1).

(١) الطبري ج ١٠ ص ٣٢، طبع ليدن، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٥.
أمر هام لا بد من التنبيه عليه:
إننا إذا تتبعنا الأحداث التاريخية، نجد: أن كل مطالب بالخلافة كان يدعي أول ما يدعي الرحمية والقربى من رسول الله صلى الله عليه وآله. وأول من بدأ ذلك أبو بكر في يوم السقيفة، وتبعه على ذلك عمر، حيث قررا أن ليس لأحد الحق في أن ينازعهم سلطان محمد، إذ أنهم أمس برسول الله رحما (على ما في نهاية الإرب ج ٨ ص ١٦٨، وعيون أخبار ابن قتيبة ج ٢ ص ٢٣٣، والعقد الفريد ج ٤ ص ٢٥٨، طبع دار الكتاب العربي، والأدب في ظل التشيع ص ٢٤، نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ)، ولأنهم هم أولياؤه وعشيرته، على ما ذكره الطبري ج ٣ ص ٢٢٠، طبع دار المعارف بمصر، والإمامة والسياسة ص ١٤، ١٥ طبع الحلبي بمصر، وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٧، ٨، ٩، ١١، والإمام الحسين للعلايلي ص ١٨٦، و ص ١٩٠، وغيرهم. أو لأنهم عترة النبي صلى الله عليه وآله وأصله والبيضة التي تفقأت عنه كما في العثمانية للجاحظ ص ٢٠٠. فأسقطا بذلك دعوى الأنصار عن الاعتبار.
كما أن أبا بكر قد استدل على الأنصار بالحديث الذي صرح باستفاضته جهابذة أهل السنة (على ما في ينابيع المودة للحنفي)، وهو قوله صلى الله عليه وآله مشيرا إلى خلفائه الاثني عشر:
" يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، كلهم من قريش ". - استدل به - بعد أن تصرف فيه، بأن حذف صدره، واكتفى بذكر: أن الأئمة من قريش على ما في صواعق ابن حجر ص ٦، وغيره..
وأصبح كون الأئمة من قريش تقليدا متبعا، بل ومن عقائد أهل السنة المعترف بها، وقد استدل ابن خلدون على ذلك بالإجماع.
ولكن قول عمر: لو كان سالم مولى حذيفة حيا لوليته، قد أوقع ابن خلدون. كما أوقع غيره من جهابذة أهل السنة في حيص بيص، لعدم كون سالم قرشيا، فضلا عن أن يكون أمس رحما برسول الله من غيره، فراجع مقدمة ابن خلدون ص ١٩٤، وغيره من كتبهم.
أما ابن كثير فإنه قد استشكل بالأمر من ناحية أخرى، حيث قال - وهو يتحدث عن فتنة محمد بن الأشعث الكندي -: ".. والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة، وليس هو من قريش، وإنما هو كندي من اليمن، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين، فأبى الصديق عليهم ذلك.. ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة، الذي دعا إلى ذلك أولا، ثم رجع عنه ".. انتهى. راجع البداية والنهاية ج ٩ ص ٥٤.
فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الأشعث بإمرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للإجماع المدعى يوم السقيفة. وتراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك..
ولست أدري كيف رجع عنه، مع أنه من المتسالم عليه تاريخيا: أنه استمر على الخلاف معهم، حتى اغتيل بالشام - اغتالته السياسة، على حد تعبير طه حسين في كتابه: من تاريخ الأدب العربي ج ١ ص ١٤٦، وغيره.. وذلك أشهر من أن يحتاج إلى بيان.
وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا هو الإشارة إلى أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليدا متبعا، بل هو قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها.
ولكن ما تأتي به السياسة، تذهب به السياسة، إذ بعد تسعماية سنة جاء السلطان سليم، وخلع الخليفة العباسي، وتسمى هو ب‍ " أمير المؤمنين " مع أنه لم يكن من قريش.
وبهذا يكون قد ألغى هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين، وأبطله.
ومهما يكن من أمر فإن أول من ادعى استحقاق الخلافة بالقربى النسبية من رسول الله صلى الله عليه وآله كان أبو بكر، ثم عمر، وجاء بعدهما بنو أمية، فعرفوا أنفسهم ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، وأصحاب النعم والرياسة فيها - حلفوا - للسفاح:
على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان، أقرباء للنبي صلى الله عليه وآله، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية. فراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٨، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ / ١٥٩، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣.
بل لقد ذكر المسعودي والمقريزي: أن إبراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الأمراء شعرا، فقال:
أيها الناس اسمعوا أخبركم * عجبا زاد على كل العجب عجبا من عبد شمس إنهم * فتحوا للناس أبواب الكذب ورثوا أحمد فيما زعموا * دون عباس بن عبد المطلب كذبوا والله ما نعلمه * يحرز الميراث إلا من قرب ويقول الكميت عن دعوى بني أمية هذه:
وقالوا: ورثناها أبانا وأمنا * ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب وفي العقد الفريد ج ٢ / ١٢٠ طبع دار الكتاب العربي: أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب قالت لمعاوية: ".. ونبينا صلى الله عليه وآله هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر الخ. ".
ثم جاء العباسيون، وادعوا نفس هذه الدعوى، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، ونذكرها. بل لقد ادعى نفس هذه الدعوى أيضا أكثر إن لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة، سواء كان خروجه على الأمويين أو على العباسيين.
وهذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دورا هاما في الخلافة الإسلامية، وكان الناس بسبب جهلهم. وعدم وعيهم لمضامين الإسلام يصدقون ويسلمون بأن القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. ولعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيت عليهم السلام، والأمر بمودتهم، ومحبتهم، والتمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منه صلى الله عليه وآله. وكان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطئ هذا. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه، وتثبيته.
إلا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك، فإن منصب الخلافة في الإسلام، لا يدور مدار القربى النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة، والاستعداد الذاتي لقيادة الأمة قيادة صالحة، كما كان النبي صلى الله عليه وآله يقودها، يدلك على ذلك أننا لو رجعنا إلى النصوص القرآنية.
وإلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله بشأن الخليفة بعده، فلعلنا لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منه صلى الله عليه وآله، وحسب.
وكل ما ورد في القرآن، وعنه صلى الله عليه وآله من الأمر بموالاة أهل بيته، وحبهم، والتمسك
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 53 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الإهداء 7
2 تقديم 9
3 تمهيد 11
4 " القسم الأول: ممهدات " 19
5 قيام الدولة العباسية 21
6 مصدر الخطر على العباسيين 64
7 سياسة العباسيين ضد العلويين 74
8 سياسة العباسيين مع الرعية 107
9 فشل سياسة العباسيين ضد العلويين 129
10 " القسم الثاني: ظروف البيعة وأسبابها.. " 138
11 شخصية الإمام الرضا (ع) 139
12 من هو المأمون 148
13 آمال المأمون وآلامه 155
14 ظروف البيعة وأسبابها 192
15 أسباب البيعة لدى الآخرين 254
16 " القسم الثالث: أضواء على الموقف.. " 275
17 عرض الخلافة ورفض الإمام 277
18 قبول ولاية العهد بعد التهديد 280
19 مدى جدية عرض الخلافة 285
20 موقف الإمام 299
21 خطة الإمام 310
22 " القسم الرابع: من خلال الأحداث.. " 362
23 مع بعض خطط المأمون 363
24 كاد المريب أن يقول: خذوني 397
25 ما يقال حول وفاة الإمام 401
26 دعبل والمأمون 433
27 كلمة ختامية 436
28 وثائق هامة 439
29 رسالة الفضل بن سهل إلى الإمام 441
30 وثيقة ولاية العهد 444
31 رسالة المأمون إلى العباسيين 453
32 رسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون 461
33 رسالة سفيان إلى هارون 465
34 قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني 469