الإجابة على السؤال الأول:
أما عن السؤال الأول، فإن الحقيقة هي: أن جميع الشواهد والدلائل تدل على أنه لم يكن جادا في عرضه للخلافة:
وقد قدمنا أننا لا يمكن أن نتصور المأمون الحريص على الخلافة حرصه على نفسه، والذي قتل من أجلها أخاه. وأتباعه، بل وحتى وزراءه هو وقواده، وغيرهم. وأهلك العباد، وخرب البلاد، حتى لقد خرب بغداد بلد آبائه، وأزال كل محاسنها - لا يمكن أن نتصور - المأمون، الذي فعل كل ذلك وسواه من أجل الحصول على الخلافة.. أن يتنازل عنها بهذه السهولة، بل ومع هذا الالحاح والإصرار منه، لرجل غريب، ليس له من القربى منه ما لأخيه، ولا من الثقة به ماله بقواده، ووزرائه!.
أم يعقل أن تكون الخلافة أعز من هؤلاء جميعا، والرضا فقط هو الأعز منها؟!.
وهل يمكن أن نصدق، أو يصدق أحد: أن كل ذلك، حتى قتله أخاه، كان في سبيل مصلحة الأمة ومن أجلها، ولكي يفسح المجال أمام من هو أجدر بالخلافة، وأحق بها من أخيه، ومنه؟!.
وكيف يمكن أن نعتبر إصراره الشديد على الإمام، والذي استمر أشهرا عديدة، قبل استقدامه إلى مرو وبعده، والذي انتهى به إلى حد تهديده إياه بالقتل - كيف يمكن أن نعتبره رفقا منه بالأمة، وحبا لها، وغيرة على صالحها.. مع أننا نسمعه من جهة ثانية هو نفسه يصرح:
بأن نفسه لم تسنح بالخلافة، عندما عرضها على الإمام؟! (1).
وإذا لم تسنح نفسه بالخلافة، فلماذا يهدده بالقتل إن لم يقبلها؟!.