يصلوا في بيوتهم، وذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم عن قومهم، إذ كانوا قلة، وفي بيوتهم من لا يدينون بغير ما وجدوا عليه آباءهم.
لكن أمر الاسلام لم يكن بحيث يخفى طويلا بعد أن فشا.
وتلقى الرسول المصطفى أمر الله سبحانه (1) فجهر بالدعوة وبادى قومه بها.
ولعلهم استخفوا به أول الامر، وكبر عليهم أن يظهروا غيظهم منه.
حتى ذكر المصطفى آلهتهم وعابها، فناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته، الا القلة التي ترددت فيه.
ماذا تستطيع قريش، لمن آمنوا بمحمد، من صميم بيوتها وسادة عشائرها؟
لئن أعياها أن تثب عليهم أو تنالهم بأكثر من السخرية والمقاطعة والوعيد، فقد بقي الموالي المستضعفون تنفس فيهم عن قهرها وغيظها، وتتسلط عليهم بأبشع ضروب التعذيب والفتنة.
ولم يفتها وهي ترى مواليها يسارعون إلى الاستجابة للاسلام، أن تلمح ما وراء هذه البادرة من خطر يهدد الوضع الطبقي الذي قامت عليه حياة قريش جيلا بعد جيل.
كما لم يفتها أن تدرك ما يتطلع إليه الأرقاء من خلاص بهذا الدين الجديد الذي يقرر أن الناس جميعا إخوة، ويبطل عبودية البشر لغير خالقهم.