يحملني إليه مالا قال فاضطررت لشدة الطلب إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي وخففت عارضي ولبست جبة صوف وركبت جملا وخرجت متوجها إلى البادية لأقيم بها قال فلما خرجت من باب حرب وهو أحد أبواب بغداد تبعني اسود مقلد بسيف حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه وقبض علي يدي فقلت له وما بك؟ فقال أنت طلب أمير المؤمنين فقلت ومن انا حتى اطلب فقال أنت معن بن زائدة فقلت له يا هذا اتق الله عز وجل وأين انا من معن؟ فقال دع هذا فإني والله لأعرف بك منك، فلما رأيت منه الجد قلت له هذا عقد جوهر فقد حملته معي بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي فخذه ولا تكن سببا لسفك دمي، قال هاته فأخرجته إليه فنظر فيه ساعة وقال صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن شئ فان صدقتني أطلقتك فقلت قل قال إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط؟ قلت لا قال فنصفه قلت لا قال فثلثه قلت لا حتى بلغ العشر فاستحييت وقلت أظن انى قد فعلت هذا قال ما ذاك بعظيم انا والله راجل ورزقي من أبى جعفر المنصور كل شهر عشرون درهما وهذا الجوهر قيمته ألوف دنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس ولتعلم ان في هذه الدنيا من هو أجود منك فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل جود فعلته ولا تتوقف عن كل مكرمة ثم رمى العقد في حجري وترك خطام الجمل وولى منصرفا فقلت يا هذا والله قد فضحتني ولسفك دمي علي أهون مما فعلت فخذ ما دفعته لك فاني غني عنه فضحك وقال أردت ان تكذبني في مقالي هذا والله لا اخذته ولا آخذ لمعروف ثمنا ابدا ومضى لسبيله، فوالله لقد طلبته بعدما أمنت وبذلت لمن يجئ به ما شاء فما عرفت له خبرا وكأن الأرض ابتلعته ولم يزل معن مستترا حتى كان يوم الهاشمية ثار فيه جماعة (1) من
(٢٥١)