السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٢١٣
وكان عبد الله بن جدعان في ابتداء أمره صعلوكا وكان مع ذلك شريرا فتاكا لا يزال يحنى الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته وطرده أبوه وحلف لا يأويه أبدا فخرج هائما في شعاب مكة يتمنى الموت فرأى شقا في جبل فدخل فإذا ثعبان عظيم له عينان تتقدان كالسراج فلما قرب منه حمل عليه الثعبان فلما تأخر إنساب أي رجع عنه فلا زال كذلك حتى غلب على ظنه أن هذا مصنوع فقرب منه ومسكه بيده فإذا هو من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره ثم دخل المحل الذي كان هذا الثعبان على بابه فوجد فيه رجالا من الملوك ووجد في ذلك المحل أموالا كثيرة من الذهب والفضة وجواهر كثيرة من الياقوت واللؤلؤ والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم ذلك أشق بعلامة وصار ينقل منه ذلك شيئا فشيئا ووجد في ذلك الكنز لوحا من رخام فيه أنا نفيلة بن جرهم بن قحطان ابن هود نبي الله عشت خمسمائة عام وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك ينجى من الموت ثم بعث عبد الله بن جدعان إلى أبيه بالمال الذي دفعه في جناياته ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف قال وفي رواية تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهلها ولا يقر ظالم على مظلوم أي وحينئذ فالمراد بالفضول ما يؤخذ ظلما وقيل إن هذا أي رد الفضول مدرج من بعض الرواة زاد بعضهم على ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانيهما أي والمراد الأبد كما تقدم وكان معهم في ذلك الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار بني جدعان حمر النعم أي الإبل وأنى أغدر به بالغين المعجمة والدال المهملة أي لا أحب الغدر به وإن أعطيت حمر النعم في ذلك قال وفي رواية لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم أي بفواته ولو دعى به في الإسلام لأجبت أي لو قال قائل من المظلومين يا آل حلف الفضول لأجبت لأن الإسلام إنما جاء بإقامة الحق ونصرة المظلوم وفيه أن الإسلام قد رفع ما كان من دعوى الجاهلية من قولهم يا لفلان عند الحرب والتعصب وأجيب بأن هذا مستثنى فالدعوى به جائزة وفي أخرى ما شهدت حلفا لقريش
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»