وبذلك وضع ابن كثير أخبار أهل لكتاب في موضعها الصحيح، يستأنس بها حين تطابق الحق الذي بأيدينا، وينبه على تحريفها وكذبها حين تخالف، فإن لم يكن لها دليل في أخبارنا واحتملت الصدق أوردها متوقفا، وقد أمرنا أن لا يصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم.
ومن هنا فقد نجا ابن كثير مما تورط فيه المؤرخون من قبله من الاسراف في رواية الإسرائيليات والتعويل عليها، واحتفظ بصورته الاسلامية المشرقة، وجعل قارئه يطمئن إلى مصادره ويتبين قيمتها.
فإذا أردنا أن نتبين خصائص ابن كثير في قصص الأنبياء، فإن أهم ما يستوقفنا من ذلك:
(ا) الإحاطة بالاخبار والاستقصاء في روايتها من طرقها، مما يجعله أوفى مرجع في هذا القصص. وقد أعانه على ذلك عصره المتأخر، إذ عاش في القرن الثامن، فتمكن أن يجيل النظر فيما سلف من تراث.
(ب) التحقيق العلمي في إيراد الاخبار فهو لا يذكر قولا إلا ومعه دليله ولا رواية إلا ويبين حالها من الصحة أو الضعف وهو وإن تسامح في إيراد بعض الأخبار الواهية، إلا أنه أخلى تبعته بالحكم عليها وفق أصول الرواية.
3 - الاهتمام بمقاصد القرآن الكريم في إبراز العظة وجلاء العبرة في هذا القصص وما دام ابن كثير مفسرا متقنا فقد استطاع أن يلفت النظر إلى كثير من مواطن العبرة في آيات الأنبياء، وأن يجعل من عرض قصصهم وسيلة لتقرير كثير من الاحكام والآداب.