الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر لكل أحد، ولا سيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيدا، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضا، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظا ومعنى، وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله: " ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " فهذا لا يرد لغيره من الكلام " (1).
وقد كان ابن كثير يقرأ التوراة ويرى ما فيها من تحريف، وقد نبه إلى ذلك في مواضع من كتابه هذا، فهو يقول عن قابيل: " والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذي يزعمون أنه التوراة:
أن الله عز وجل أجله وأنظره وأنه سكن في أرض نور في شرق عدن " وبعد أن يذكر تواريخ أهل الكتاب عن ذرية قابيل يقول: " هذا مضمون ما في كتابهم صريحا، وفى كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك، والظاهر أنها مقحمة فيها، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير، وفيها غلط كثير (2) ".
وفى موضع آخر يقول: " فكيف يترك هذا ويذهل عنه، ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها (3) ".