الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٠٩
فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر، إن الله عز وجل لا يطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة، ولا يهمل العباد من الملكة، ولكنه المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن عنهم صادا مثبطا، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل وإن لم يفعل فليس هو جبلهم عليها ولا كلفهم إياها جبرا، بل تمكينه إياهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكنهم، فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم وترك ما نهاهم عنه، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام (1).
وقيل: لما فرغ علي (عليه السلام) من الجمل عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخر عنها وقال لابنه الحسن (عليهما السلام): انطلق يا بني فجمع بالناس.
فأقبل الحسن (عليه السلام) إلى المسجد فلما استقل على المنبر حمد الله وأثنى عليه وتشهد وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أيها الناس إن الله اختارنا بالنبوة، واصطفانا على خلقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه، وأيم الله لا ينتقصنا أحد من حقنا شيئا إلا ينقصه الله في عاجل دنياه وآجل آخرته، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين (2).
قال محمد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كتب إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) قوم من أصحابه يعزونه عن ابنة له، فكتب إليهم: أما بعد فقد بلغني كتابكم تعزونني بفلانة، فعند الله احتسبها تسليما بقضائه، وصبرا على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب (3)، وفجعتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية (4)، والإخوان المحبين الذين كان يسر بهم الناظرون، وتقر بهم العيون، أضحوا قد اخترمتهم (5)

(١) بحار الأنوار: ج ١٠ ص ١٣٦ باب 9 ح 3 نقلا عن كتاب الغدد.
(2) أمالي الطوسي: ج 1 ص 80 - 81.
(3) فجعته المصيبة: أي أوجعته، وكذلك التفجع.
(4) الحفاوة: المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في أمره.
(5) اخترمهم الدهر: أي اقتطعهم واستأصلهم.
(٥٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 ... » »»