فقال شريح: يا أمير المؤمنين كيف هذا الحكم؟ فقال له: إن داود (عليه السلام) مر بصبيان يلعبون وينادون بواحد منهم يا مات الدين والغلام يجيبهم، فدنا داود (عليه السلام) منهم فقال له: يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي مات الدين. قال له: من سماك بهذا الاسم؟ قال: أمي. قال داود (عليه السلام): وأين أمك؟ فقال: في منزلها. فقال داود (عليه السلام):
إنطلق بنا إلى أمك. فانطلق به إليها فاستخرجها من منزلها فخرجت.
فقال لها: يا أمة الله ما اسم ابنك هذا؟ قالت: اسمه مات الدين. قال لها داود (عليه السلام): ومن سماه بهذا الاسم؟ قالت: أبوه. قال: وما كان سبب ذلك؟ قالت: إنه خرج في سفر له ومعه قوم وأنا حامل بهذا الغلام فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه فقالوا مات، فسألتهم عن ماله فقالوا ما ترك مالا، فقلت لهم:
هل أوصاكم بوصية؟ قالوا: نعم زعم انك حبلى وإن ولدت جارية أو غلاما فسميه مات الدين، فسميته كما أوصى ولم أحب خلافه. فقال لها داود (عليه السلام): هل تعرفين القوم؟ قالت: نعم. فقال لها: انطلقي مع هؤلاء - يعني قوما بين يديه - فاستخرجهم من منازلهم. فلما حضروا حكم فيهم بهذه الحكومة، فثبت عليهم الدم واستخرج منهم المال، ثم قال لها: يا أمة الله سمي ابنك هذا عاش الدين (1).
وروى الحسن بن محبوب قال: حدثني عبد الرحمن بن الحجاج، قال:
سمعت ابن أبي ليلى يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقضية ما سبقه إليها أحد، وذلك أن رجلين اصطحبا في طريق فجلسا يتغديان، فأخرج أحدهما خمسة أرغفة وأخرج الآخر ثلاثة، فمر بهما رجل فسلم عليهما، فقالا له: الغداء، فجلس معهما يأكل، فلما فرغ من أكله رمى إليهما ثمانية دراهم وقال إليهما: هذه عوض عما أكلت من طعامكما، فاختصما وقال صاحب الثلاثة: هذه نصفان بيننا. فقال صاحب الخمسة: بل لي خمسة ولك ثلاثة. فارتفعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقصا عليه القصة.
فقال (عليه السلام): هذا أمر فيه دناءة، والخصومة فيه غير جميلة والصلح أحسن.