الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٦٥
الحرب كما كانت، فاختلط الناس وأجنهم الليل، وكان الفارس يعتنق الفارس فيقعان إلى الأرض جميعا، وكانت ليلة الجمعة وهي ليلة الهرير، وأصبح القوم على قتالهم، فكشفت الشمس وارتفع القتام وتقطعت الألوية ولم يعرفوا أوقات الصلاة، فقال معاوية لعمرو بن العاص: هلم مخبآتك يا بن العاص؟ فقال له عمرو: تأمر الناس من كان معه مصحف فليرفعه على رمحه. ففعل ذلك، وارتفعت الضجة: من لثغور الشام بعد أهله؟ من لثغور العراق بعد أهله؟ من للروم؟ من للترك؟ من لجهاد الكفرة؟ وفي ذلك قال النجاشي:
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا * عليها كتاب الله خير قرآن ونادوا عليا يا بن عم محمدا * أما تتقي أن يهلك الثقلان فلما رأى أهل العراق ذلك أحبوا الموادعة، وقال كثير من أصحاب علي (عليه السلام):
قد أعطاك معاوية الحق ودعاك إلى كتاب الله عز وجل فاقبله منه. وكان أشدهم في ذلك الأحنف بن قيس (1). فقال علي (عليه السلام): أيها الناس إنه لم يزل لي من أمركم ما أحب حتى قدحتم (2) الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وإني كنت بالأمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا، وقد أحببتم البقاء.
فقال الأشتر: إن معاوية لا خلف له من رجاله، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا نصرك، فاقرع الحديد بالحديد واستعن بالله. وقال الأشعث بن قيس: إنا لك اليوم على ما كنا لك أمس، وليس ندري ما يكون غدا، وقد والله كل الحديد وقل الناصر.
فقال علي (عليه السلام): ويحكم ما رفعوها إلا خدعة. فقال الأشعث: إن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد. فقال له: افعل. فسأله، فقال: نرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله تعالى به في كتابه، تبعثون رجلا تختارونه وترضون به ونبعث رجلا، ونأخذ عليهما العهد والميثاق أن يعملا بما في الكتاب ولا يخرجا عنه، وننقاد جميعا إلى ما اتفقا عليه من حكم الكتاب. فصوب الأشعث رأيه، وانصرف إلى علي (عليه السلام) فأخبره

(1) كذا، والظاهر: الأشعث بن قيس.
(2) في مروج الذهب: قرحتكم الحرب ج 2 ص 390.
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»