قال: كأنك في شك من أمرهم؟ والذي لا إله إلا هو الذي يحيي ويميت وإليه النشور لقد وصف لي جدك محمد (صلى الله عليه وآله) هذا الموقف وهذا المقام حتى لا أنقل منقلة ولا أخطو خطوة إلا كأني أنظر إلى ما وصفه لي، ولقد أخبرني صلوات الله عليه بعدة من يقتل منا ومنهم.
وخرج علي (عليه السلام) وعليه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السحاب وتحته بغلته الدلدل، وعليها كان يشهد المشاهد، وقال لها يوم حنين اربضي فربضت، ومعه سيفه ذو الفقار.
ثم إن عليا (عليه السلام) نادى في أصحابه فقال: ألا لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجة فكفكم عنهم حتى يبدؤوكم حجة ثانية، فإذا قاتلتموهم لا تجهزوا على جريح، وإذا هزمتموهم لا تتبعن مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا إلا بإذن ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتموه في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى وأن هن شتمن أعراضكم وأمراءكم فإنهن ضعاف.
ودعا (عليه السلام) بمصحف وقال: من يأخذ هذا ويدعوهم إلى ما فيه؟ وله الجنة.
فقام غلام شاب يقال له مسلم بن عبد الله بن جندل التميمي عليه قباء أبيض وعليه عمامة بيضاء فقال: أنا أحمله يا أمير المؤمنين.
فنظر إليه علي (عليه السلام) وقال له: يا فتى إن يدك اليمنى تقطع فتأخذه باليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل.
قال: لا صبر لي على هذا وانصرف.
فنادى علي (عليه السلام) ثانية فقام إليه الفتى فأعاد علي (عليه السلام) عليه القول، فقال الفتى:
لا صبر لي على هذا.
فنادى (عليه السلام) ثالثة، فقام الفتى إليه، وأعاد علي (عليه السلام) عليه القول مثل قوله الأول، فقال الفتى: هذا في الله قليل: فأخذ المصحف وانطلق حتى توسط القوم فناداهم:
هذا كتاب بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته. فضرب رجل من أصحاب الجمل