الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٠٥
جماعة منهم إلى الموضع فكشفوه بالمساحي فظهر لهم صخرة عظيمة تلمع، قالوا:
يا أمير المؤمنين هاهنا صخرة، لا تعمل فيها المساحي.
فقال لهم: إن هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلبها. واجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا.
واستصعبت عليهم، فلوى رجله عن سرجه حتى صار على الأرض ثم حسر عن ذراعه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها ثم قلعها بيده ودحى بها أذرعا كثيرة. فلما زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه، وكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه.
فقال لهم: تزودوا وارتووا. ففعلوا. ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت وأمر أن يعفى أثرها بالتراب، والراهب ينظر من فوق ديره، فلما استوفى علم ما جرى نادى: يا معشر الناس أنزلوني. فاحتالوا في إنزاله، فوقف بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا هذا أنت نبي مرسل؟ قال: لا. قال: فملك مقرب؟ قال: لا. قال: فمن أنت: قال: أنا وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) محمد بن عبد الله خاتم النبيين. قال: ابسط يدك أسلم لله تعالى على يدك. فبسط أمير المؤمنين (عليه السلام) يده وقال له: اشهد الشهادتين. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أنك وصي رسول الله وأحق الناس من بعده بالأمر. فأخذ (عليه السلام) عليه شرائط الاسلام.
ثم قال له: ما الذي دعاك الآن إلى الاسلام بعد طول مقامك على الخلاف في هذا الدين (1)؟
قال: أخبرك يا أمير المؤمنين، هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، وقد مضى عالم قبلي لم يدركوا ذلك، وقد رزقنيه الله عز وجل.
* * *

(1) والعبارة في الارشاد هكذا: بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف: ص 176 - 177.
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»