الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٠٤
فتطاول الثعبان اليه حتى التقم اذنه، وسكت الناس وتحيروا لذلك، فنق نقيقا سمعه كثير منهم، ثم إنه زال عن مكانه وأمير المؤمنين (عليه السلام) يحرك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ثم انساب وكأن الأرض ابتلعته، وعاد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى خطبته فتممها.
فلما فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه فسألوه عن حال الثعبان والأعجوبة فيه، فقال لهم: ليس ذلك كما ظننتم وإنما هو حاكم من حكام الجن التبس عليه قضية فصار إلي يستفهمني عنها فأفهمته إياها ودعا لي بخير وانصرف (1).
وربما استبعد كثير من الناس ظهور الجن في صور الحيوان، وذلك معروف عند العرب قبل البعثة وبعدها. وقد أجمع اهل القبلة أن إبليس ظهر لأهل الندوة في صورة شيخ نجدي وشاركهم في الرأي على المكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وما ظهور الجن في صور الحيوان بأبعد من هذا.
قيل: لما توجه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى صفين لحق أصحابه عطش فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا، فعدل بهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الجادة وسار قليلا فلاح لهم دير في صدر البرية، فسار بهم نحوه حتى إذا صار في فنائه أمر من ينادي ساكنه بالإطلاع إليهم، فنادوه فأطلع عليهم، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هل قرب قائمك هذا ماء يتغوث به هؤلاء القوم؟
فقال: هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب مني شئ من الماء، ولولا أنني أوتي بما يكفيني في كل شهر على التقتير لتلفت عطشا.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أسمعتم ما قال الراهب؟
قالوا: نعم فتأمرنا بالمسير إلى حيث أومى إليه لعلنا ندرك الماء وبنا قوة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا حاجة لكم إلى ذلك، ولوى عنق بغلته نحو القبلة وأشار إلى مكان بالقرب من الدير فقال لهم: اكشفوا الأرض في هذا المكان، فعدل

(1) الإرشاد: ص 183 - 184 في تكلم الحيتان معه عليه السلام.
(2) الإرشاد: ص 184.
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»