ومن المعلوم أنه يمتنع أن تكون نفس علي هي نفس محمد (عليه السلام) بعينه، فلا بد وأن يكون المراد هو المساواة بين النفسين، وهذا يقتضي أن كل ما حصل لمحمد من الفضائل والمناقب فقد حصل مثله لعلي (عليه السلام) ترك العمل بهذا في فضيلة النبوة، فوجب أن تحصل المساواة بينهما فيما وراء هذه الصفة.
ثم لا شك أن محمدا (عليه السلام) كان أفضل الخلق في سائر الفضائل، فلما كان علي مساويا له في تلك الصفات وجب أن يكون أفضل الخلق، لأن المساوي للأفضل وجب أن يكون أفضل.
الحجة الثانية: التمسك بخبر الطير، وهو قوله (عليه السلام): " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " (1) والمحبة من الله تعالى عبارة عن كثرة الثواب والتعظيم.
الحجة الثالثة: إن عليا كان أعلم الصحابة، والأعلم أفضل. إنما قلنا إنه كان أعلم بالإجمال والتفصيل.
أما الاجمال فهو أنه لا نزاع أن عليا كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم، وكان محمد (عليه السلام) أفضل الفضلاء وأعلم العلماء، وكان علي في غاية الحرص في طلب العلم، وكان محمد في غاية الحرص في تربية علي وفي إرشاده إلى اكتساب الفضائل.
ثم إن عليا بقي من أول صغره في حجر محمد (عليه السلام)، وفي كبره صار ختنا له، وكان يدخل عليه في كل الأوقات، ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على التعلم وكان الأستاذ في غاية الفضل وفي غاية الحرص على التعليم، ثم اتفق لمثل هذا التلميذ أن اتصل بخدمة هذا الأستاذ من زمان الصغر، وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات، فإنه يبلغ ذلك التلميذ في العلم مبلغا عظيما. وهذا بيان إجمالي في أن عليا كان أعلم الصحابة.