بعلو مكانه، من وجد الآجلة عند الله عز وجل وعنايته به فلرعاية التعريس بفاطمة (عليها السلام) أنفذ الله تعالى أقداره، وأنزل ذلك الحكم وأوجب إظهاره، ورفع على أمد الأبد مناره وشرع بغير قيد شعاره، وبسط في أقطار البسيطة آثاره، وقد ورد في اللفظ النبوي صلوات الله على مصدره (الصيد لمن أثاره) فهذه النعمة بحفظ العقول وحراستها عن أفولها، لولا فاطمة لما نضد عقد حصولها، وكفى بها منقبة يشهد باجتماع الشرف لها من فروعها وأصولها.
ثم لما دخل علي بها في ذي الحجة، من السنة الثانية من الهجرة على ما تقدم، ولدت له في السنة الثالثة من الهجرة الحسن (عليه السلام) وسيأتي تفصيل ذلك في بابه إن شاء الله تعالى، وولدت بعده الحسين (عليه السلام) وبينهما مدة الحمل، وكانت من أكمل النساء عقلا ودينا، وقد وصفها رسول الله به بالاتفاق، وأثبت لها صفة الكمال على الإطلاق، فقال فيما أسندته نقله الصحاح، وروته من ألفاظه الفصاح، يرفعه كل واحد من البخاري ومسلم والترمذي بسنده في صحيحه عنه (ص):
(كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد) (1) فأفاض عليها حلة الكمال وناهيك بها خلة من أشرف الخلال.
تنبيه وإيقاظ: إعلم أن رسول الله (ص) قد حكم بصفة الكمال لكل واحدة من هؤلاء الأربع مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة فكل واحدة منهن كاملة في ذاتها، وقد إختصت فاطمة دونهن بحصول أسباب تقتضي علو درجتها في صفتها