فكان ذلك سبب حراسته العقل الشريف من زواله بشرب الخمر فحرمت لذلك. فاصغ بسمعك لنفعك إلى متلو هذا النبأ العظيم، وانظر ببصيرة قلبك إلى مجلو حكمة حكمه العميم، وتدبر بثاقب فكرك في ما لأجله خصت الخمرة بالتنجيس والتحريم، فإنه لما كان العقل مناط معرفة المصالح والمفاسد، وبه تعلم أقدار مراتب المراشد، وهو على الحقيقة معيار اعتبار الأعمال والمقاصد، وحكم عدل يميز بين صفاء المصادر وإكدار الموارد، وصدر من حمزة في حق علي ما لو أن عقله معه ما أتاه، بل لكان سارع إلى ما اتصل إليه يدا مكانه فمنحه إياه وأتاه، ولكن ما نزح أو حجب عنه عقله قبح لذلك فعله ووضح بما أقدم عليه جهله، فحرم الله سبحانه الخمر وحكم بنجاستها، وأمر رسول الله (ص) كل من كانت عنده بإراقتها، وأوجب الحد على من شربها ترهيبا من مقاربتها، وترغيبا في مجانبتها، لتسلم العقول عن أن يتطرق إليها خلل الزوال، وتحرس على أربابها فلا يشينها زلل الاختلال، ولا يخفى أن في حفظ العقول عليهم منة تقلد أجياد العباد قلائد شكرها، ونعمة يعظم عند ذوي الدراية والمعرفة مقدار قدرها، وهذا الحكم المشتمل على هذه الحكمة مضاف إلى سببه، معدود من مزايا مثيرة ومناقبه شاهد
(٤٩)