(فليس كل حكم منصوصا عليه ويعرف أقسام الأحكام) (1) من الواجب والمحظور والمندوب والمكروه، فهذه أمور لا يصح اتصاف الإنسان بعلم القضاء ما لم يحط بمعرفتها، ومتى فقد علمه بها لا يصلح للقضاء ولا يصح اتصافه به.
فظهر لك أيدك الله تعالى أن رسول الله (ص) حيث وصف عليا (عليه السلام) بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا، فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعا وأصلا، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولا وفعلا على إرتقاء علي (عليه السلام) في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى وضربه في أعشار الفضائل المجزات بالتساهم بالقدح المعلى.
زيادة تقرير حصول هذه المناقب واللآلئ وشمول هذه المطالب السنية السناء الحاصلة لعلي (عليه السلام) من مواد علم القضاء كان مناط إفاضة أنوارها عليه أن رسول الله (ص) قبل ذلك لما انتدبه وانتضاه، وآثره وارتضاه، وفوض إليه قضاء اليمن وولاه، أحجم إحجام واجف لقصوره في معرفة أحكامه وقضاياه، فلما أحس رسول الله (ص) ذلك منه أخبره بأن الله تعالى سيرزق قلبه الهدى ويسلك به من التثبيت جددا، ومن حصل له من الله تعالى الهدى والتثبت فلن يضل أبدا.
وحجة ذلك: ما نقله الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث في مسنده يرفعه بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (أرسلني رسول الله (ص) إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء.
فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا