وأما البيعة فإن أريد به الصفقة واظهار الرضا والكف عن المنازعة فقد كان ذلك لكنا قد بينا جهة وقوعه والأسباب المحوجة إليه، ولا حاجة في ذلك عليه عليه السلام. كما لم يكن في مثله حجة على أبيه عليه السلام لما بايع المتقدمين عليه، وكف عن نزاعهم وامسك عن خلافهم، وإن أريد بالبيعة الرضى وطيب النفس، فالحال شاهدة بخلاف ذلك، وكلامه المشهور كله يدل على أنه (عليه السلام) أحوج وأحرج، وأن الامر له وهو أحق الناس به. وانما كف عن المنازعة فيه للغلبة والقهر والخوف على الدين والمسلمين.
وأما أخذ العطاء فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك من أخذه من يد الجائر الظالم المتغلب جائز، وأنه لا لوم فيه على الاخذ ولا حرج.
وأما أخذ الصلات فسايغ بل واجب لان لكل مال في يد الجائر المتغلب على أمر الأمة يجب على الامام وعلى جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع أو الاكراه، ووضعه في مواضعه. فإذا لم يتمكن من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله تعالى وأخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة، فواجب عليه أن يتناوله من يده ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقه لان التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلا له، وليس لاحد أن يقول أن الصلات التي كان يقبلها من معاوية إنما كان ينفقها على نفسه وعياله، ولا يخرجها إلى غيره وذلك أن هذا مما لا يمكن أحد أن يدعي العلم به والقطع عليه ولا شك أنه عليه السلام كان ينفق منها لان فيها حقه وحق عياله وأهله، ولا بد من أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقين حقوقهم وكيف يظهر ذلك وهو عليه السلام كان قاصدا إلى إخفائه ستره لمكان التقية، والمحوج إليه إلى قبول تلك الأموال على سبيل الصلة هو المحوج له إلى ستر اخراجها واخراج بعضها إلى مستحقها من