تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٤٩
فإن قيل: فلم لم يقل وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم؟ فهو أليق في الكلام ومعناه من العزيز الحكيم؟.
قلنا: هذا سؤال من لم يعرف معنى الآية، لأن الكلام لم يخرج مخرج مسألة غفران، فيليق بما ذكر في السؤال. وإنما ورد على معنى تسليم الأمر إلى مالكه. فلو قيل فإنك أنت الغفور الرحيم، لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة. ولم يقصد ذلك بالكلام. على أن قوله " العزيز الحكيم " أبلغ في المعنى وأشد استيفاء من " الغفور الرحيم " وذلك أن الغفران والرحمة قد يكونان حكمة وصوابا، ويكونا بخلاف ذلك. فهما بالاطلاق لا يدلان على الحكمة والحسن. والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة، وإذا كانا صوابين. ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة، لأن العزيز هو المنيع القادر الذي لا يذل ولا يضام، وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم البتة. وأما الحكيم فهو الذي يضع الأشياء مواضعها ويصيب بها أغراضها، ولا يفعل إلا الحسن الجميل. فالمغفرة والرحمة إذا أقضتهما الحكمة دخلتا في قوله العزيز الحكيم. وزاد معنى هذه اللفظة عليهما من حيث اقتضاء وصفه بالحكمة في سائر أفعاله، وإنما طعن بهذا الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام. وإلا فبين ما تضمنه القرآن من اللفظة وبين ما ذكروه فرق ظاهر في البلاغة واستيفاء المعاني والاشتمال عليها.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست