تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٥٢
هوى) (1) وتلاها عليهم، ألقى الشيطان على لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي، فلما سمعت قريش ذلك سرت به وأعجبهم ما زكى به آلهتهم، حتى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضا المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا لا يستطيع السجود، فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت. وأتى جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله معاتبا على ذلك، فحزن له حزنا شديدا. فأنزل الله تعالى عليه معزيا له ومسليا (وما أرسلنا من قبلك) الآية.
(الجواب): قلنا أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قصوها وليس يقتضي الظاهر إلا أحد أمرين، إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت:
تمنى كتاب الله أول ليله * وآخره لاقى حمام المقادر أو أريد بالتمني تمني القلب. فإن أراد التلاوة، كان المراد من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم، فأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بوسوسته وغروره. ثم بين أن الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه ويحسم مادة الشبهة به. وإنما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له صلى الله عليه وآله لما كذب المشركون عليه، وأضافوا إلى تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.
وأن كان المراد تمني القلب، فالوجه في الآية إن الشيطان متى تمنى النبي عليه السلام بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور، يوسوس إليه بالباطل

(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست