وكان لو كان لا يكون بعد الرسول إمام بعد إمام يحفظ رسائل الله وأمره، ونهيه، ويلقيها إلى من يجئ إلى الكون من الأمم على صيغتها ما رآه بعدله من الاعلام والانذار مختصا به قوم الرسول وأهل عصرهم من دون من يولد بعدهم من الأمم، وكان إذا اختص بالأعلام والانذار قوما دون قوم بطل عدل الله تعالى مع الجزاء العام، وجب من تمام عدل الله وثبوته أن يكون بعد الرسول (ص) أبدا إمام يقوم بإعذار أهل زمانه، وإنذارهم، وتبشيرهم، وتحذيرهم، لئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، إذا مضى واحد قام مقامه واحد بأمره ونصه، إذا الإمامة واجبة.
البرهان الرابع عشر: لما كان موجودا (1) من حكمة الباري تعالى كبرياؤه أن كل ما خلقه غير عالم ولا قادر، قد وكل به عالما قادرا يحفظه ويرعاه على هيئة ولولاه لتعطل، وقرنهما مثل العالم الكبير الذي هو الدنيا بأفلاكها ونجومها وأركانها التي خلقها غير عالمة ولا قادرة، فوكل بها ملائكة مقربين يحفظون نظامها، وقرن بينهما، ولهم العلم والقدرة ولولاهم لتعطلت، ومثل العالم الصغير الذي هو شخص البشر بأيديه، وأرجله، ورؤوسه، وأحشائه، الذي خلقه الله تعالى غير عالم ولا قادر فجعل أمره إلى النفس تسوسه وتحفظ نظامه إلى الوقت المقدر له، وقرن بينهما.
وهي عالمة قادرة، ولولاها لتعطل كما يتعطل إذا فارقته، وكان ما جاء به سيد الأنبياء وخاتمهم محمد (ص) عن الله تعالى من الشريعة عالما برأسه، وكان هذا العالم عالم الوضع بما يجمعه من الصلاة، والزكاة، والحج، وغيرها، صورة أعمال والأعمال أفعال، والافعال غير عالمة بذاتها، وجب في الحكمة من حيث وجب حفظها، ولا