رحل رسول الله (ص) إلى ربه، وهو قلق على مستقبل الرسالة والأمة، كما جسد ذلك بقوة قوله (ص) عند زيارته لقبور المؤمنين في البقيع في بداية مرضه الذي قضى فيه: السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها (1).
ولعدم قناعة الإمام (ع) بما جرى في السقيفة وما بعدها: ظل مؤمنا بحقه في الخلافة ، واعتزل الناس وما هم فيه ستة شهور، ولم يسمع له صوت في ما يسمى بحروب الردة، ولا سواها (2). واشتد ساعد المنافقين وقويت شوكتهم في داخل المدينة، وكان الرومان والفرس للمسلمين بالمرصاد (3).
ولقد تعامل الإمام علي (ع) مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الإسلامية، حفظا للإسلام وحماية للجماعة الإسلامية من التمزق والضياع، وتحقيقا للمصالح الإسلامية العليا التي جاهد من أجلها، وقد جاء في كتابه (ع) لأهل مصر مع مالك الأشتر، حين ولاه إمارتها: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله: أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به على أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه (4).
بعض من إرشاداته ومواقفه (ع) في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
فكر أبو بكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار عليا (ع) في الأمر فقال: إن فعلت ظفرت. فقال أبو بكر: بشرت بخير، وأمر أبو بكر الناس بالخروج بعد أن أمر عليهم خالد بن سعيد (5).
عن محمد بن المنكدر، أن خالد بن الوليد كتب إلى الخليفة أبي بكر، أنه وجد رجلا في بعض ضواحي العرب، ينكح كما تنكح المرأة، وأن أبا بكر جمع لذلك ناسا من أصحاب رسول الله ي (ص)، وكان فيهم علي بن أبي طالب، أشدهم يومئذ قو، فقال (ع): إن هذا ذنب لم تعمل به أمة من الأمم إلا أمة واحدة - يعني قوم لوط - فصنع الله بها ما قد علمتم، أرى أن تحرقوه