التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٧
أما تحقيق التقدم المادي وحده مع إهمال العناية بالوضعية الأخلاقية والمعنوية للإنسانية أو مع التضحية بها فإنه كقصر العناية على الوضعية الأخلاقية والروحية مع إهمال شؤون التقدم المادي - كلاهما لا يمثلان النظرة المتوازنة التي يجب أن تقوم عليها حركة الإنسان التاريخية وتبنى على هديها مؤسسات الحضارة. إن كل واحد من الاتجاهين يمثل انحرافا معينا لا يخدم الإنسانية ولا يبني الحضارة.
إننا - وفقا لهذه النظرة المتوازنة - كما نعتبر النقص في إنتاج السلع والخدمات المادية بدرجة تكفي أكبر عدد من الناس وتحقق لهم الرفاهية واللذة - كما نعتبر هذا النقص وما يتصل به تخلفا، كذلك نعتبر من أسوأ مظاهر التخلف: تزايد الجرائم في المجتمع بشتى أنواعها، وتصدع الأسرة، وجفاف العلاقات الإنسانية النظيفة، ونمو روح الحرب والعدوان داخل المجتمعات وبين الجماعات القومية والوطنية، وهو أن الحياة البشرية عندما تكون خارج الإطار القومي والعنصري للمعتدي... وغير ذلك من مظاهر فساد الوضعية الأخلاقية للإنسان فردا وجماعة ومجتمعا ودولة.
ووفقا لهذه النظرة المتوازنة يكون من الخطأ تقسيم عالم اليوم إلى عالم متقدم وعالم متخلف. إن عالم اليوم كله - وفقا لهذه النظرة - متخلف، فإنه إذا كان العالم الثالث متخلفا على مستوى المادة وأساليب التنظيم والإدارة، فإن العالم الآخر متخلف من حيث الوضعية الأخلاقية والعلاقات الإنسانية والصفات الإنسانية في أفراده وجماعاته ومجتمعاته.
وسنرى، خلال هذا البحث، أن منطلق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في فهمه للتاريخ وحركة الإنسان في الحاضر نحو المستقبل هو هذه النظرة المتوازنة التي اشتمل عليها الإسلام، وعبر عنها القرآن الكريم، والسنة الشريفة، والفقه المستمد منهما المبني عليهما.
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 30 31 32 33 34 ... » »»