وهذا ما وقع فيه إنسان الحضارة الحديثة، والويل له مما صنعت يداه في المقبلات من الأيام.
* وقد ولدت هاتان النظرتان المتطرفتان إلى التاريخ وإلى المستقبل مفهوما للتقدم البشري غير متكامل ومن ثم دافع بالإنسان إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء الكبرى في شأن نفسه وفي شأن عالمه.
لقد اعتبر التقدم في الحضارة الحديثة بالمقياس المادي وحده. فيقاس التقدم في أي مجتمع وفي ظل أي نظام سياسي بحجم الإنتاج والاستهلاك بالنسبة إلى أشياء الحياة المادية: الطعام، والملابس والمساكن وأدوات الزينة، ووسائل النقل والطاقة والطرق، ووسائل اللهو ووسائل تيسير الحياة اليومية المنزلية وغيرها، والمصانع والأسلحة وما إلى ذلك من أشياء، يضاف إلى ذلك المؤسسات الحكومية والأهلية التي تنظم كل هذه العمليات..
ولا يقيم هذا المفهوم عن التقدم البشري وزنا لوضعية الإنسان الأخلاقية وللقيم التي ينبغي أن توجه سلوكه مع الطبيعة المادية، والعالم، والمجتمع والأسرة.
وهذا المفهوم هو الدليل الذي يوجه أفكار وخطط وعمليات المؤسسات الوطنية والدولية المعنية بقضايا التنمية، فالوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، والجامعات، ومراكز الأبحاث الدولية والوطنية تعتبر حركة التقدم والنمو بهذا المقياس.
وكانت عاقبة ذلك تقدما مذهلا في مجال الماديات... تقدما تجاوز أكثر الأحلام جموحا في بداية النهضة الصناعية الحديثة. ولكنه تقدم ترافق مع تأخر مأساوي في مجال المعنويات بدأت بعض البصائر المستقبلية في العالم الغربي و (الشرقي؟؟) تكتشفه وتعي خطورته، وتحذر من عواقبه الوخيمة.
وعلى ضوء هذا المفهوم للتقدم قسم الجنس البشري في الخمسينات من هذا القرن الميلادي إلى عوالم ثلاثة:
العالم الأول: (أمريكا الشمالية، وأوربا الغربية، واليابان) بلغ أعلى مستوى